حسن العاني/
في وقت مبكر جداً من طفولته – ربما كان ابن الرابعة من العمر – انتبهت الأسرة إلى إمكانية ولدها إبراهيم على التنبؤ، أو إعطاء توقعات لا علاقة لها بتوقعات (العائلة)، أعني الكبار منهم، بحيث كانوا في العادة يسخرون، أو بالأحرى يضحكون بتكتم من أفكاره وآرائه وتوقعاته الغريبة،
غير أن الذي كان يحصل على الدوام هو أن ما يذهب إليه هذا الطفل، ابن الرابعة، هو الصواب والصحيح، بخلاف ما كانوا يذهبون إليه. ولأن هذه الحالات تكرر حدوثها، فقد تغيرت نظرة الجميع إليه، وصار هذا الطفل موضع اهتمامهم واحترامهم، بل بلغت الثقة به أنه إذا توقع أمراً أو حدثاً توقفوا عن إبداء توقعاتهم!!
صحيح أن تلك التوقعات، او التنبؤات كما جرى التعارف على اسمها، لم تكن كبيرة جداً، وربما كانت عابرة في أكثر الأحيان، لكن ارتباط صوابها بشخصية إبراهيم الذي يتحدث عن توقعه وكأنه يتحدث عن أمر مفروغ منه، أو أمر يجب أن يحصل، هو ما شغل الأسرة. ولأن هذا الطفل هو ابن شقيقي الأصغر – كنا جميعاً نسكن في بيت واحد مع الوالد – فقد كنتُ قريباً مما يجري. أذكر ذات مساء شتائي بارد يعود إلى قرابة 27 سنة مضتْ، كانت السماء حينها محتقنة بالغيوم السود وتنذر بالمطر، وقد تعددت تكهنات الحاضرين، بمن فيهم أنا، حول أسئلة عدة على غرار “تمطر السماء أو لاتمطر / تمطر قبل منتصف الليل أو بعده / كم يستمر هطول المطر / هل تفيض الشوارع وتغرق بغداد …الخ.” وحين انتهى حوارنا من دون نتيجة، قال إبراهيم بصوت عالٍ مليء بالثقة “ستمطر في الساعة الثانية وسبع دقائق بعد منتصف الليل، ويستمر هطول المطر حتى الساعة الخامسة و39 دقيقة، ثم يتوقف المطر ليعاود الهطول في الساعة السابعة والنصف لمدة خمس وأربعين دقيقة، وسوف تغرق بغداد ويتعطل الدوام.” وفوجئنا بأن كل نبوءة قالها حدثت بالتفصيل أو الدقة التي وردت على لسانه!!
حين كبر إبراهيم باتت توقعاته موضع تساؤل وحيرة، فهو من تنبأ بموعد ظهور القاعدة وموعد القضاء عليها، وكذلك صحّت توقعاته عن داعش، ظهورها ونهايتها، وكل ما ذكره حول تشكيل الحكومات ونتائج الانتخابات وسرقة القرن.. جاء مطابقاً لتوقعاته.
لكن أغرب نبوءة له كانت ذات طابع مستقبلي، مفادها باختصار “في عام 2063 سيبلغ عدد مولات بغداد 618 مولاً و 3944 محلاً للموبايلات و 24845 محلاً للحلاقة الرجالية والنسائية و 25 ألف مطعم. وفي عام 2083 ستدعو الحكومة العاطلين عن العمل، بمن فيهم حملة الشهادات العليا، لتقديم طلبات تعيينهم إلى المولات والمطاعم ومحال الحلاقة والموبايلات، والكف عن التظاهرات المزعجة، تاركين للحكومة فرصة التفكير (بمصالحها) ومصالح الشعب!!”