عامر بدر حسون/
كلفت الحرب العالمية الثانية البشرية أكثر من خمسين مليون قتيل وعشرات الملايين من الجرحى والمعوقين.
حصل ذلك في سنوات معدودة، خمس أو ست سنين. وكانت الحرب في غالبيتها بين مسيحيين وديانات أخرى، لم يكن العرب والمسلمون طرفا فيها.
في تلك السنوات كان الموت يحصد أرواح البشر بمئات الالاف يوميا، لكن ثقافتنا العربية والإسلامية كانت مشغولة، كما في هذه الأيام، بالحديث عن تكالب الجميع علينا وتآمرهم ضدنا:
– هم ضدنا ويريدون استعبادنا، والغاء لغتنا وتحطيم ديننا حتى لا ننهض أو نكون أو نسود!
عشرات ومئات الكتب الفت عن التآمر الخارجي علينا، وملايين الخطب القيت من الجوامع وساحات النضال عن تلك العداوة والمؤامرات.
لم نتوقف لحظة لنرى أن ملايين القتلى في تلك الحروب سقطوا في أرض بعيدة عنا، وأنهم كانوا من قوميات وأديان مختلفة، وأن صراعاتهم وحروبهم كانت من أجل أشياء أخرى غير التآمر على العرب والمسلمين.. (وسندفع ثمن هذا الجهل أو التجهيل لاحقا).
بلادنا التي خرجت للتو من حكم عثماني استمر لمئات السنين، كانت بالكاد تتعرف على شيء اسمه قانون وإدارة وأنظمة دولة، وقد وجدت هذه الأشياء عندنا بفعل الاستعمار الانكليزي والفرنسي، الذي حصل علينا كجزء من اسلاب الدولة العثمانية المهزومة. لكن ثقافتنا وكتبنا وخطبنا كانت تتحدث عن المؤامرة الأزلية للقضاء على العرب والمسلمين!
وانتهت الحرب وانتهى الاستعمار، وانتهت أيضا فكرة الاستعمار لأنها لم تعد مجدية من الناحية الاقتصادية، وانتهى عصر الاستعمار وحرم دوليا، ونحن لانعرف من أسباب انتهائه غير نضال الشعوب للتحرر، اما غياب الجدوى الاقتصادية من الاستعمار المباشر، والتطور البشري الذي انعكس على شكل قوانين تحرم الحصول على الأشياء بالقوة أو تحرم حتى اجراء تغيير بسيط في الحدود بالقوة، فلم نعرف عنها شيئا ولم نضعها في سلم اهتماماتنا.
لذا كان سهلا علينا أن نغزو بعضنا، وأن تقوم حكوماتنا بقتل شعوبها. (العراق في سبيل المثال، ليس الا، قام بقيادة صدام حسين، بشن الحرب على ايران لاسترداد الأراضي التي قدمها طائعا الى ايران، وقام بغزو الكويت بحجة استرجاع القضاء السليب أو المحافظة رقم 19)!
وحتى بعد كل ما جرى وانهيار أنظمة وامبراطوريات وانتهاء صراعات دامية بين الدول وبدء عصر جديد من التعاون الوثيق بين أعداء الأمس لخدمة المصالح المشتركة، بقينا نحن في فكرة تآمر العالم علينا. وبقينا نتفاخر أننا فسطاط والعالم كله فسطاط آخر.
اذا لم تصدق أننا ما زلنا نفكر بتلك الطريقة فاستمع الى نشيدنا الوطني وتأمل كلماته، وسترى أننا ما زلنا في الخيمة فيما العالم يتسابق على الوصول للمريخ والقمر!
الشبابُ لنْ يكِلَّ هَمُّهُ أنْ تستَقِـلَّ أو يَبيدْ
نَستقي منَ الـرَّدَى ولنْ نكونَ للعِــدَى
كالعَـبـيـــــدْ كالعَـبـيـــــدْ
لا نُريــــــدْ لا نُريــــــدْ
ذُلَّـنَـا المُـؤَبَّـدا وعَيشَـنَا المُنَكَّـدا
لا نُريــــــدْ بـلْ نُعيــــدْ
مَـجـدَنا التّـليـدْ مَـجـدَنا التّليـدْ
مَــوطِــنِــي مَــوطِــنِــي
ومازلنا نهتز أمام عالم، صورت لنا ثقافتنا السائدة أنه، خلق من أجل التآمر علينا واعاقتنا عن التقدم إلى الوراء باتجاه مجدنا التليد!