رئيس التحرير سرمد عباس الحسيني/
في خطوة غير مسبوقة، سبقت فيها (جنوب إفريقيا) إخوة الدم والدين واللغة، رفعت فيها دعوى إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي، بلائحة اتهام من (84) صفحة تتهم فيها (إسرائيل) بعمليات الإبادة الجماعية ضد قطاع غزة.
إذ احتوت اللائحة على أربع تهم مختلفة، أبسطها لا تنجّي (إسرائيل) من المساءلة القانونية الدولية (إبادة جماعية – التسبب بأضرار جسدية وعقلية – تعمد إخضاع الأفراد لأوضاع معيشية مدمرة – فرض تدابير منع الولادات وتدمير المستشفيات واستهداف الطواقم الطبية والإنسانية).
المتابعون القانونيون الدوليون يرون أن (جنوب إفريقيا) ستفوز بحكم قضائي ضد (إسرائيل) حسب لوائح الاتهام والتي اعتمدت في توثيق الجرائم (الإسرائيلية) على شهادات مقدمة من منظمات دولية رسمية وغير رسمية، أكثر من اعتمادها على شهادات الفلسطينيين المعرضين لعمليات الإبادة الجماعية، ما يعطي لهذه الشهادات مصداقية حيادية مطلقة، تضاف لها لاحقاً شهادات الفلسطينيين الموثقة، إذ أكد (المتابعون) أن خطوة (جنوب إفريقيا) في توثيق الشهادات الدولية تلك تعد (ضربة معلم)، يضاف إليها سعيها إلى السير بدعوى اتهامها بخطين متوازيين (مستعجل) و(موضوعي).
الأمر المستعجل يتمثل بطلبها المتضمن في حيثيات الدعوى، بأن تتخذ المحكمة الدولية إجراءات وقتية سريعة تلزم (إسرائيل) بالتوقف عن قصف المدنيين العزل، وأن تسمح بدخول المساعدات الإنسانية الى المحاصرين الفلسطينيين في قطاع غزة.
أما فيما يتعلق بجانب القضيّة الموضوعي، فهو أمر سيستغرق وقتاً يتطلب فيه دفع المذكرات الاتهامية والرد عليها من قبل المتهم بها بطريقة الحجّة بالحجّة (إن وجدت طبعاً)، ولتفتح المحكمة الباب بعد ذلك أمام الدول الأخرى للانضمام إلى هذا الطرف أو ذاك من طرفي الدعوى الاتهامية، وقد انضمت فعلياً كل من تركيا- الجزائر- الكويت- بوليفيا- جزر القمر- جيبوتي- بنغلاديش، إلى جانب (جنوب إفريقيا)، وهو الأمر الذي سيشكل ضربة قوية للموقف الدولي السلبي والمتماهل تجاه غزة، وبمقابل ذلك تعالت أصوات غربية مؤيدة لـ (إسرائيل)، وسَمَت دعوى (جنوب إفريقيا) بـ (السخيفة) أو غير المنطقية حسب تصريح (جون كيربي) مثلاً، وهو أمر لا يخرج في حقيقته عن الخط العام السائد في الغرب والولايات المتحدة عموماً.
إدانة (إسرائيل) في هذه القضية (هو أمر مفروغ منه، حسب قانونيين دوليين)، الذي سيلزمها في نهاية المطاف بضرورة دفع التعويضات المادية والمعنوية لكافة الأضرار التي لحقت بقطاع غزة، كما ستشمل هذه الإدانة قانونياً جميع الدول التي ساعدت وتواطأت مع (إسرائيل) المتهمة بعمليات الإبادة الجماعية، وذلك وفق المادة (3/ج) من اتفاقية منع الإبادة الجماعية لعام (1948)، الذي سيضع (إسرائيل) ومسانديها في موقف حرج وضعيف، وهو الأمر الذي لن تسمح فيه (إسرائيل) وعرّابوها، بأن تأخذ تلك الدعوى الاتهامية مجراها، وسيسعون بطريقة أو بأخرى إلى عرقلة مسار هذه القضية، ترغيباً وترهيباً، وهذا ما سيجعل من مصداقية (محكمة لاهاي) على المحك.
وحتى إن تمت عملية الإدانة لـ (إسرائيل) من قبل المحكمة الدولية العليا في الأمم المتحدة، التي يمكن -أحياناً- للدول المتنفذة دولياً أن تتجاهل قراراتها وأحكامها، إلا أن النتيجة القانونية، وبغض النظر عن الالتزام بحيثياتها الإجرائية، ستبث الروح -حسب متفائلين- مجدداً لإحياء القرار الأممي (3379) المعتمد في 10 تشرين الثاني1975، والمصوت عليه بـ (72) صوتاً مؤيداً، واعتراض (35) صوتاً، وامتناع (32) صوتاً عن التصويت، الذي يعتبر أن (الصهيونية هي شكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصري)، وهو أمر ليس بهيِّن يرتكز إلى ما ستؤول إليه مخرجات محكمة لاهاي المنعقدة للبت في دعوى (جنوب إفريقيا) في 11-12/ كانون الثاني2024. وحتى ذلك الحين، نكون وإياكم لنتائجها لمن المنتظرين.