جي ـ سينغ، يُصلّي!

#خليك_بالبيت

جمعة اللامي /

” ندنو من العظمة، بقدر ما ندنو من التواضع “
( طاغور )

قبل أن أودع جاري الهندي: “جي سينغ”، علمتني شابة هندية درساً بليغاً في العظمة والتواضع: وقفت أمامي بخشوع، كما لو أنها تصلّي، ثم قالت بلغة انكليزية صافية: “سيدي، أنا أحترمك، وسأخبر أبي وأمّي أنني تعرفت على إنسان عراقي”.
نظرتُ إليها بمشاعر افتخار، فأنا أرى هذه الشابة في المكتبة الهندية المجاورة لمنزلي، وغالباً ما ألقي عليها تحية سريعة حين أبتاع بعض مستلزمات الكتابة.
كنتُ حملت كتابين من أعمالي الأدبية، ورجوتها: “آنسة غانش، أرجو تغليف هذين الكتابين”، وما إن رأت الشابة صورتي على الغلاف الأخير للكتابين، حتى أخذت تصلي، قالت بأدب جّمّ: “علمني تاغور كثيراً”.
قلت: “هذه هديتي إلى صديقي جي – سينغ، الذي سيسافر إلى “بوبال”.
انخرطت غانش في بكاء صامت ورأيت – في ذاكرتي، ذلك الجمال الراعب للإله الهندوسي غانش، الذي جمع “الجمال والبشاعة” معاً، فصار رمزاً “لوحدة” الأضداد.
تذكرت “غانش” كارثة بوبال، التي وقعت في كانون الاول سنة 1984، عندما قتلت الغازات السامة المخزَّنة في شركة هندية، عشرين الف مواطن هندي، عقب انفجار في معملها الكيماوي الشهير.
وكان سينغ، قال بعد انتهاء حصّة الرياضة الصباحية، “رفيق جمعة”، سأذهب إلى بوبال” صديقي سينغ يفترض أني أعرف تفاصيل تلك الكارثة، وهو صادق في افتراضه، فلقد تابعتها عندما وقعت يوماً بيوم، بعد أربع سنوات على إقامتي بالشارقة، ومنذ يوم وقوعها والهنود يحتفلون بذكراها وهم يهتفون: “لن ننسى بوبال، ولن نغفر لحكامنا غفلتهم عن قتل أكثر من عشرين ألف هندي” بين يوم وليلة، وكان صديقي جي – سينغ، طلب إجازة سريعة ليمارس حقه الانتخابي في مدينة بوبال، وعندما أهديته كتابي شكرني، وقال: “سأقول لأُسرتي لديّ صديق عراقي، يشارككم حزنكم، ويشاطركم غضبكم وثورتكم”.
حين وقعت “خيانة نينوى” واحتلت داعش محافظات كاملة، وأصبحت عند أسوار بغداد، علم صديقي سينغ بـ “مجزرة سبايكر”، فحمل اليّ وردة جوري بيضاء، ووقف أمام باب شقتنا، يُصلّي من أجل الهدوء والسلام لأرواح شباب سبايكر.