يوسف المحمداوي /
من الأقوال المأثورة لجلال الدين الرومي عن الحركة قوله: “يا أنت ذا الفكر المقيد هل قدماك طليقتان؟ أخيراً أدركت أن الحركة أيضا سر .. في الحركة تصبح الحرية بلا إسار لذا ماء البئر والطل مختلفان”، ما قادني لذكر تلك الحكمة الكبيرة بدلالاتها هي الطبيعة الراكدة التي يتصف بها الحكم في العراق ما بعد عام 2003، لكونها ساكنة وثابتة على شكل واحد غير قابل للتغيير، وهذا ما جعلها عقيمة غير ولود للمنجزات التي يتمناها المواطن، والمبرر الرئيس لركودها والانزواء هو نظام المحاصصة الذي ملأ قلب العراق قيحاً، فقد أصبحت صورة قيادة البلد أشبه بالحافلة الطويلة التي حوّلت مسارها وشكلها المحاصصة الى حافلة تسير بالعرض لا بالطول، لكون جميع ممثلي الشعب في السلطة – إن صدقوا – يصرون على الجلوس في مقدمة الحافلة التي بسبب شكلها العرضي الجديد تعوقت حركتها تماماً في ظل ضيق شوارعنا فضلاً عن غلق الكثير منها بالحواجز الكونكريتية، لذا نرى الحركة شبه معدومة في تجربة الحكم الجديد في البلاد، وعلى الرغم من كون الأمر أصبح جلياً وواضحاً للقاصي والداني بفشل هذه الاستراتيجية الفاشلة في قيادة الدولة، لكن هناك إصراراً غير مسبوق من قادة التجربة الجديدة على ركوب حافلة الحكم بالطريقة ذاتها، ما يعني مراوحتها في نقطة الشروع دون التقدم شبراً واحداً للأمام، وهذا ما انعكس بالضرر الكبير على أوضاع وطن وأحوال مواطن، ولإيجاد الحلول من قبل أولياء أمر السلطة تجدهم مع اقتراب موعد أي انتخابات يلجؤون الى تغيير أسماء أحزابهم وكتلهم وكياناتهم ويعودون ليجلسوا على المقاعد الأمامية لحافلة الحكم بهوياتهم الجديدة، ظناً منهم أن الحل في المسمى، متجاهلين عدم حركة الحافلة التي فيها سر التغيير، فالعراق منذ سقوط الطاغية حافلة حكمه من غير إنجاز، بل تنخر بجسده الويلات والنوائب والفساد من كل حدب وصوب، وقادته الجدد بحافلتهم الخضراء يتقاسمون ما يأتيهم من أرزاق التوقف، غير آبهين للخراب الذي استوطن مرافق الحياة كافة.
فشل العملية السياسية وديمومة إخفاقها هو في جلوس أمراء السلطة في المقاعد الأمامية وإصرارهم بالرغم من التظاهرات والاحتجاجات الشعبية على بقاء حافلة سلطة المحاصصة بهذا الشكل العجيب الغريب الذي لم يعهده بلدنا من قبل، ومع اقتراب موعد الانتخابات الجديدة نتمناها أن تأتي بوجوه وعقول جديدة تؤمن بما قاله ابو حيان التوحيدي: “الحركة ولود، والسكون عاقر”.