حسن العاني /
لا يقع في ذاكرتي أن النظام الملكي قد شهد أي نوع من أنواع التنظيمات النسوية، أو دعوات للمطالبة بحقوق المرأة من قبل جمعيات أو اتحادات نسائية، مع أنني صبيحة 14 تموز 1958 لم أكمل الثالثة عشرة من العمر، ولابد أنّ فتىً في سن المراهقة المبكرة له اهتمامات أخرى غير لغاوي السياسة وطلبات النسوان، فهناك انشغالات كثيرة في مقدمتها الانشغال الذي يناسب هذه المرحلة، وهو تلمس الخطوات الأولية لفن الحرشة بالبنات!!
في السنوات اللاحقة لعام 1958، تنامت تجربتي الحياتية، وربما على المستوى الشخصي بتُّ أكثر ميلاً إلى الكتب والقراءة والمتابعة، منذ أخذ بيدي –وليته لم يأخذ- مدرس اللغة العربية في الإعدادية نحو عوالم الثقافة.. على أية حال بدأت أسمع بكائنات نسوية ومنظمات، نزيهة الدليمي، منال الآلوسي، رابطة المرأة العراقية، الاتحاد العام لنساء العراق.. الخ، وبغض النظر عن التباين في الشعارات بين تلك الروابط والاتحادات والجمعيات، فإنها في المحصلة تنتهي عند هدف واحد هو “حقوق المرأة”.
ولطالما استغربت من مفردة “حقوق” إذا لم أكن قد ضحكت إلى حد الإغماء، لأنني لم أعثر على حق واحد ينفرد به الرجل من دون المرأة، فكلاهما كأسنان المشط في الدراسة وحرية التعبير والعمل والوظائف التي شملت حتى المؤسسات العسكرية، على أنني غير مرة “فطستُ” من الضحك لأن “طبقة الرجال السياسية”، وأعني نسبة كبيرة منهم، كانت تدعو الى تلك الحقوق بحماسة تفوق حماسة المرأة نفسها، ولا نغفل بأن النظام السابق من باب المزايدة، جعل للمرأة عيدين “عراقي وعالمي”، فما هو المقصود بالحقوق إذن، وماذا يعني استمرار المطالبة بها؟!
بلغني أن “مجموعة” من النسوان اللائي يتحلّين بالذكاء وسعة الخيال والحيلة، أدركن بأن هذه المطالب أصبحت “أكسباير” وفقدتْ مصداقيتها قبل قوتها، خاصة بعد الكشف عن وجود آلاف الرجال العراقيين “مع الأسف” يعانون من “عنف النساء” –أي يتعرضون للضرب من قبل زوجاتهم، ويطالبون بتوفير الحماية لهم.. الخ، ولهذا أقدمت تلك “المجموعة” على المطالبة بحقوق نوعية جديدة للمرأة، تنصُّ على تولّي الرجال المناصب الرئاسية (جمهورية/وزراء/برلمان) لمدة (4) سنوات، وتتولاها المرأة (4) سنوات بالتعاقب. ولكي يكتسب هذا المطلب شرعيته، لابد من التصويت عليه، وهكذا وُجهت الدعوة الى (1935) شخصية (حزبية وحكومية وسياسية وبرلمانية) من الجنسين، واشترطت الدعوة أن يكون الرجال جميعهم من المتزوجين، مع التأكيد على أن حضور الزوجة إلزامي (هذه خطة نسائية خبيثة جداً ومدروسة بعناية، فأي رجل في حضور زوجته يستطيع التصويت بالضد؟!)، وفي المكان والزمان المحددين حضر (1245) مدعواً وتخلف (690) بسبب سفرهم إلى الخارج!
تم التأكد من عدد الحضور (1245) ثلاث مرات، وبعد الخطب الرنانة وكلمات المجاملة والترحيب، جرت فعاليات التصويت، وكانت النتيجة حصول الطلب على (1246) صوتاً من أصل (1245)، إلا أن رئاسة المؤتمر المؤلفة من سبع شخصيات جميعها من الرجال (هذا ما فات النسوان ولم يحسبن له، مع علمهن بأن الرجل لا يؤتمن، لا في السياسة ولا خارج البيت) شككت بنزاهة التصويت لوجود صوت (واحد) زيادة، ولذلك لم تعترف بالنتيجة، وهو الأمر الذي أثار غضب إحدى الناشطات المتطرفات وجعلها تخرج عن طورها، فصاحت بأعلى ما تمتلك من قوة الصوت [هذه الحالة ليست جديدة، حيث سبق أن شاهدنا مثيلاً لها عند التصويت على الدستور وفي انتخابات مجلس النواب ومجالس المحافظات، وتمّ التغاضي عن فروق في النتائج تبلغ آلاف الأصوات، فما الذي تغير الآن، والفرق هو صوت واحد فقط؟!]، غير أن رئاسة المؤتمر لم تعرها بالاً، فيما تنفس الرجال الصعداء –تمنوا مع أنفسهم أن يثنوا علانية على موقف الرئاسة الشجاع- وناموا ليلتهم تلك قريري العيون..