حلمٌ أم كابوس..؟

نرمين المفتي /

إذن، كان عليان أختار ” أفاتاراً” يمثلني وأن أطلق عليه اسماً غير اسمي، وأختار عملاً أحبه، أو أن استمر في عملي نفسه، وأبدأ الحياة في عالم آخر. عالم أحلم به أو حياة أحلم بها في محيط بلا حروب ومشاكل، وبيئة بلا تلوث من كافة الأنواع، ومن بينها التطفل.. وأن أصادق من أريد من الشخصيات التي لا أعرف حقيقتها، كلها أفاتارات.. وإن كنت أحلم أن اصبح مليونيرة، مثلاً، فهناك في (عالم ثانٍ) طرق وأساليب للثراء -طبعاً افتراضياً-.. لم أتحمل اللعبة التي كانت تحاول سحبي من الحياة الحقيقية، رغم متاعبها، إلى حياة خيالية، قطعاً كانت ستقود إلى الكسل من جهة، وإلى الإصابة بعقدة الهروب من المواجهة من جهة أخرى.. ولا أستبعد أن هناك من انتحر من بين الذين أدمنوا عليها..
أسوق هذا المثل وأنا أقرأ التقارير الصحفية الكثيرة عن حلم مارك زوكربيرج، مبتكر الفيسبوك، الذي غير اسم شركته من الفيسبوك إلى ميتا. واسم حلمه (ميتافيرس) ويعني (ما وراء الكون)، الذي يعمل على تحقيقه مهندسو ومبرمجو ومطورو شركة ميتا، ومن المفترض أن ينتهوا منه خلال الثلاث سنوات المقبلة، وسيكون هذا الكون الافتراضي مثل (عالم ثانٍ) لكن بتفاصيل أكثر تعقيداً وخيارات (حلوة) عديدة.. سيكون هذا الكون الافتراضي حياة بأكملها، بأشكالها وشخصياتها المجسمة من خلال استعمال نظارات الثري دي (تشبه إلى درجة ما النظارات التي يرتديها رواد أفلام السينما الثري دي- الأبعاد الثلاثية)..
إذن، من خلال النظارات وجهاز لوحي، أو لابتوب، يستطيع الشخص، مثلاً، أن يسافر إلى أي مكان يرغب فيه وهو في منزله، وأن يحضر حفلاً موسيقياً، أو يشتري ما يريد، وهناك قطع أراض افتراضية للبيع، قام البعض بشرائها منذ الآن! هذا العالم -الحلم- سيسحب الشخص من عائلته وبيته وأصدقائه إلى العيش منعزلاً في غرفته مع نظارته وجهازه، وستنتهي، تقريباً، علاقاته الإنسانية.. ومن جهة أخرى، فإن الشركة ستسيطر على الشخص الذي ستعرف كل معلوماته الشخصية وعنوانه وهواياته وماذا يجب، وليس مستبعداً أن تقوم عصابات المافيا بجرائم كبيرة من خلال استغلال هذا الكون الافتراضي.. وأن تتكاثر حملات الكراهية والتنمر..
إن هذا الحلم يبدو -منذ الآن- كابوساً، إن لم تقم الشركة بوضع قوانين تلتزم هي بها، بدءاً، في المحافظة على الأسرار، وعدم السماح لأي شخص بالدخول إليها إلا لفترات محددة..
وهنا لا أنسى التهنئة بالسنة الجديدة، تهنئة من العالم الحقيقي.. وليس الافتراضي.