جمعة اللامي /
“إن أكثر الأوقات رضاً وبهجةً وإثارةً، هي أن تكون على قيد الحياة”
( كارل ساغان)
الحديث في شأن العالم الأميركي كارل ساغان هو حوار مع ذواتنا، ومع معضلات أسئلة وجودنا.
دعونا نؤجل، للحظات فقط، حديثنا بصدد كارل ساغان، ونتمعن في التقارير العلمية المطروحة حالياً بصدد المسبار (نيوهورايزونز) الذي أطلقته وكالة (ناسا) إلى أبعد نقطة في المجموعة الشمسية، إذ ورد أن هذا المسبار مرّ بالقرب من جُرم ثلجي يبعد عنا (6) مليارات و(500) ألف سنة ضوئية!
إنها مسافة أكثر من شاسعة، حقاً، إذا ما عرفنا أن سرعة الضوء تساوي (300) ألف كيلومتر في الثانية الواحدة. هنا نقع في حيرة فكرية عظمى لا حدود لنهاياتها، لكونها تكشف عجزنا في هذا الكون الشاسع، والممتد أبداً، مثلما تشير أيضاً، ولو بقدر ضئيل، إلى شجاعتنا في البقاء على قدر ضئيل من الصبر، وليس الشجاعة فقط.
قبل أكثر من خمسين سنة، قرأت شيئاً في المعارف الكونية، وتوقفت عند آينشتاين، ولكنني حين قرأت القصص العلمي، ولاسيما عند: أتش ـ جي ويلز، ستيفن كينج، فيليب ديك، دوغلاس آدم، وغيرهم، ازدادت حيرتي، فلم أجد سلوى، وطمأنينة مؤقتة، سوى في الدين، غير أن هذا “الرضا المؤقت”، سرعان ما يهتز عندما يتيسر لإنسان رصين تحليل علمي للدين ذاته.
من المؤكد أن كارل ساغان، أحد أفضل الذين كتبوا في ضرورة إحالة معارفنا كلها، بما فيها الدين ذاته، إلى التحليل العلمي، أي إخضاع أي شيء يخص الإنسان إلى ما نسميه “العلم الحديث”. إن العلوم الحديثة، ومن ضمنها كشوفات كارل ساغان، تحرضنا على أن نكون أكثر جرأة في فحص حياتنا بالعقل والعلم. لكننا ما أن نكتشف، أو ما نحسبه اكتشافاً في العلم، يأخذ بأيدينا إلى غموض جديد، تماماً كما حدث لنا مع المسبار الأميركي الذي وضعنا أمام جُرم يبعد عنا (6.5) مليار سنة ضوئية.
ومع هذا أقول: حياتنا جديرة بأن تعاش بشرف وكرامة ومسؤولية، بناءً على العقل الإنساني.