جمعة اللامي /
“أفضل طريق إلى الكرامة وأقصرها
أن يكون ما نُبطن مطابقاً لما نُظهر”
(أرسطو)
يحترم الكاتب، والصحافي المتأدب، نفسه وعقله واختياراته، ومهنته، ولا يقبل أن يطالبه طارئ على الأدب أو الكلمة، بكشف حساب يومي عن أحلامه المسائية، ومحاوراته مع مثله في الصباح، وهيامه بالحقيقة، في كل وقت، وفي كل مكان .
في بعض الحوارات الفاصلة في حيواتنا نجد، نحن الكتّاب، أن الذي نحاوره يتعلم منا ونتعلم منه، وأننا عندما نقابله وجهاً لوجه، تتنافس إرادتانا في الصدق والإبداع والمسؤولية. وتعالوا، ارجعوا إلى حوارات أندريه مالرو، مع بعض رموز عصره وعصرنا: ماوتسي تونغ، وشو ان لاي، عندما كان في الصين، حيث أمضى عشر سنوات، أنجز خلالها أيضاً روايته الشهيرة: “جيل القدر”. نعم، ارجعوا إلى تلك “المقابلات الصحافية”، ثم قارنوا بين الثرى والثريا.
وحدثني روجيه غارودي، أنه أمضى أوقاتاً غير قصيرة في الإعداد لحوار مع الشاه محمد رضا بهلوي، كان موضوعه: الرقص. وقال لي في دمشق: “أنا رجل بدون ماضٍ”، وتناولنا في لقاء جرى ببغداد سنة 1977، علاقته بسارتر، فقال لي: “ثمة دور نشر فرنسية ترفض عروضاً من كتاب حول سيرتي النضالية والثقافية والروحية”.
وعندما كان يخطط لكتابه (الراقص)، طرحت أمامه مشهدنا الديني والأخلاقي في عاشوراء، فقال لي: لم أسمع بهذا إلاّ منك يا صديقي العزيز.
ويعرف بعض الزملاء الكتّاب والصحافيين المصريين واللبنانيين والسوريين والعراقيين والمغاربة أن تلك الحوارات التي أجروها مع أطفال شوارع، أو ساكني قبور، أو فنانات على الرصيف، أو شعراء مطرودين من اتحادات الكتّاب، لهي أثمن من تاج كسرى. وكان للفقير السعيد نصيب في هذا المجال.
وأجريت حواراً مع امرأة لا تطيق رؤيتها النساء، ويتسلل الرجال خلسة إلى منزلها ليلاً، لتكون بعض نتائجه قصة: “الليل في غرفة الآنسة م”، التي تعرضت الى هجوم من قبل كبار موظفي وزارة الثقافة والإعلام العراقية في سنة 1969 على صفحات جريدة “الثورة”.
الكاتب الحقيقي، والصحافي الحقيقي، هو الذي تحدث باسمه أفلاطون قبل عشرات القرون، عندما قال: “لقد حاربت ثلاثة: الرذيلة، والكراهية، والظلم”..
فلماذا ينسى أدبا ء (النعمة الحديثة) مواضيهم؟