نرمين المفتي/
حاول أبو الأسود الدؤلي أن يأخذ ابنه من طليقته، فاختصما إلى قاضي البصرة. قالت الزوجة: أصلح الله القاضي، هذا ابني، كان بطني وعاءه، وحجري فناءه، وثديي سقاءه، أكلؤه إذا نام، وأحفظه إذا قام، فلم يزل كذلك سبعة أعوام… حتى إذا استوفى فصاله، وكملت خصاله، واستوت أوصاله، وأملت نفعه ورجوت دفعه، أراد أن يأخذه مني كرهاً، فأنصفني أيها القاضي، فقد رام قهري، وأراد قسري. فقال أبو الأسود الدؤلي: أصلحك الله! هذا ابني، حملته قبل أن تحمله، ووضعته قبل أن تضعه، وأنا أقوم عليه في أدبه، وأنظر في أوده، وأمنحه علمي، وألهمه حلمي، حتى يكمل عقله، ويستحكم فتله. فقالت الزوجة: صدق أصلحك الله حمله خفاً، وحملته ثقلاً، ووضعه شهوة ووضعته كرهاً. فقال القاضي:أردد على المرأة ولدها، فهي أحق به منك ودعني من سجعك.
إن الجملة التي دافعت بها تلك الأم لتحافظ على حضانة ابنها تشكل قانون حياة المرأة عامة والأم خاصة. لا أنكر ان هناك رجالاً أكثر حناناً من النساء ونساء أكثر دموية من الرجال، ولكن في الحالتين فإن الأمثلة استثناء والقاعدة أن المرأة وبدافع حب كبير تدافع عن حياة ضمّت روحاً في رحمها وأطعمتها بدمها وأنجبتها بآلامها.
في شوارع بغداد وفي الطريق إليها من المحافظات، هناك بين صورة شهيد وآخر، صورة شهيد.. غالبيتهم شباب بعمر الورد، طالما استوقفتني متذكرة تلك الجملة-الحقيقة لطليقة الدؤلي.. أمٌّ تعبت وسهرت وبسبب شهوة الرجل، أي رجل، للسلطة، هنا أو في بلد آخر ، يصبح ابنها مرغماً شهيداً بطلاً، بينما كانت تحلم أن يكون بطل حياة.
ترى، كيف ستكون الحالة لوكانت المرأة في مركز المسوؤلية؟ ليس الآن، إنما منذ عقود، منذ أن بدأت الحروب تصادر أحلام الأمهات.. صحيح ان الوطن غال، ولكن البعض يرى أن السلطة أغلى منه ويدخل حروباً وقودها أبناء الأمهات، بينما أبناؤه ومن معه في البحث عن السلطة في مأمن منها. حتى الإرهاب الظلامي الذي يحاربه الشباب، إنما كان نتيجة للفساد والمحاصصة وعدم مواجهة الأسباب.
وأعود الى سؤالي: ماذا لو كانت المرأة في مركز المسؤولية؟ طبعاً لا اقصد نساء الكوتا، ولا أقصد العراق فقط.. ماذا لو كانت المرأة أميناً عاماً للأمم المتحدة؟
قطعاً ستفكر ألف مرة قبل أن تحب السلطة أكثر من الوطن، ستفكر في مستقبل ابنها وأبناء الآخرين، في أحلامهم وكيف تحققها لهم وتصنع منهم أبطال حياة يعيشون ويحبون ويعمرون ليس الوطن فقط، إنما العالم.. وقطعاً سيكون الحب سيد الموقف..
ولنحلم ..