حُسن الظن

نرمين المفتي  /

(نحن في رمضان لذلك سأحسن الظن بالجميع بانتظار نهاية هذا الشهر المبارك)، هكذا بدأ يوتيوبر – بالمناسبة لم تُعرّب هذه الكلمة حتى الآن، وهي تعني الشخص الذي يبث من خلال اليوتيوب، أي مدوّن بالصوت والصورة – أتابعه أول حلقة من تسجيلاته مع بداية الشهر الكريم، ما جعلني ألغي اشتراكي في قناته بسبب (سوء الظن) الذي أكد أنَّه ديدنه قبل رمضان وبعده، ويبدو أنه لا يعرف الآية الكريمة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ) صدق الله العظيم، الحجرات-١٢..
إنّ الذين يتركون الاغتياب وسوء الظن والكذب وغيرها من الموبقات في رمضان هم ليسوا سوى عبدة رمضان، لأنَّ المفروض أن يكون الإنسان بعيداً عن الصفات والأفعال السيئة طوال السنة، ولكن يبدو أنَّ بعض الناس لا يستطيعون إلا أن يكونوا سيئين، ورغم هذا اتمنى أن يخلص هؤلاء نيتهم في رمضاننا هذا، وأن يستمروا بعده كما كانوا طوال شهر.
إنَّ سوء الظن يضر صاحبه قبل غيره، فهو يملأ قلبه بالشكوك ويفقد بسببه الأقربين اليه قبل الأبعدين، وكلما ازدادت شكوكه، يصيب روحه بيديه بالمرض، ومريض الروح لا علاج له، مريض نفسي يشك بالجميع ويسيء الظن بخياله المريض أيضاً، وكلنا نعرف أن الأمراض العضوية العصية على العلاج أساسها المرض النفسي..
إنَّ حُسن الظن بالآخرين أسهل على القلب والعقل، إذ لا يحتاج الشخص الى إشغال عقله بسيناريوهات سيئة تأخذ منه الوقت والجهد والصداع المستمر، بينما حسن الظن ابتسامة وراحة وانتظار أن يشرح المقابل موقفه، لا سيما إذا كان من أفراد الأسرة أو زميل عمل، ولا بد من القول إن سوء الظن يتسبّب في كثير من المشكلات وقد تدمر عائلة بأكملها أو تخرب عمل دائرة بأكملها أيضاً..
أما الإشارة الى الفاسدين وأصحاب الوعود الكاذبة الذين يسيئون إلى من أحسن اليهم، فليست من سوء الظن، بل كشفهم عبادة لأنّه يعيد الحقوق الى أصحابها..