حسن العاني /
ومن عجائب هذه الكرة أن حذاء الرياضي المشهور منهم يباع في المزاد العلني بعشرة أضعاف ما يباع فيه تراث آينشتاين ونظريته النسبية، وقميص ميسي أغلى عشرين مرة من (قميص نوم) مارلين مونرو. وما دمنا نتحدث بلغة الأرقام، فإن الواردات السنوية لأي مشهور من مشاهير هذه اللعبة تفوق واردات أهم رئيس عربي، وأكبر سياسي عراقي، وأغنى تاجر في العالم!!
بعيداً عن هذا الكلام، الذي تفوح منه رائحة الحسد والغيرة، فإن كرة القدم لعبة يشارك فيها اثنان وعشرون لاعباً، وستة على دكة البدلاء، وعدد ممن يتولون مهمات التحكيم والمراقبة وتطبيق القانون، ولعل أروع ما في كرة القدم أنها أُممية، أي أنها لا تمتلك وطناً ولا آيديولوجية ولا مفاعلات نووية، ويصفها بعضهم بالأخلاقية، على الرغم من وحشية بعض اللاعبين.. أما رصيدها الوحيد للبقاء وتنامي الاهتمام بها فهو الجمهور وشغفه بها، لكونها -بالنسبة له- مصدر إمتاع وتسلية، وفي حالات قليلة مصدر رهانات وعراك وإبراز عضلات..
هذه اللعبة ولدت من أرحام الشعوب الفقيرة وأحيائها الترابية، ولا فضل للحكومات عليها، بل إنها هي المتفضلة على الحكومات التي طالما استغلتها لإبعاد الجماهير وإشغالها عن الجوع والتقصير الحكومي، أو لتمرير بلوى هنا ومصيبة هناك.. ولهذا فإن كرة القدم إذا كانت لعبة الشعوب، فإن السياسة هي لعبة الحكومات، ولا شيء أشد أذى على كرة القدم من عبور السياسي إلى ساحة الرياضة، فهي ليست ساحته، وليست لعبته!!
كانت كرة القدم في العراق تواصل تطورها ومسيرتها الطبيعية حتى تولى (عدي) رئاسة اللجنة الأولمبية ومقاليد الرياضة، فأخضع كل شيء لمزاجه وتقديره، وفي المقدمة (كرة القدم). ولم يمض زمن طويل على قيادته، حتى أصبح تسجيل (الهدف) سياسة، والفوز سياسة، وكذلك الخسارة. وتحت عباءة السياسة يختبئ الترغيب والترهيب والتخويف والرضوانية والتعذيب إلى الحد الذي كان فيه اللاعب يذهب إلى المباراة وقد وضع عقل عدي والمعسكر التأديبي في حذائه، وهكذا تمت سرقة اللعبة من حب الجماهير ووُضِعتْ في (خزينة) السياسة الحكومية!!
إذا لم تخذلني الذاكرة، فقد كان العراق في نهاية العقد الثمانيني من القرن الماضي على وشك أن يحصد واحدة من بطولات (الخليج العربي)، قبل أن تمد الحكومة أصابعها عبر فرمان أصدره رئيس النظام، يقضي بانسحاب المنتخب من البطولة، وجماهير الكرة تتلوى غضباً وصمتاً، لأن السياسة تمارس لعبة غير لعبتها، وكان مقدراً لمباراة مصر والجزائر أن تكون مباراة راقيةً فناً وأداء ومتعة ونديّة، لولا تدخل الحكومتين والرئيسين ونجليهما، ثم كان ما كان من نتائج محزنة، قبل أن تكون مخجلة، وذلك على ما يبدو قاسم مشترك يوحد الأنظمة العربية ويجمعها، أكثر مما تجمعها المشاعر القومية والمصالح الاقتصادية.
ويحدثنا التاريخ أن الحكومة حيث وضعت إرادتها تراجعت الرياضة، والغريب أن الرياضة لم تسوِّل لها نفسها الأمّارة بالسوء أن تتدخل في شأن صغير أو كبير من شؤون الحكومات أو السياسة، ولولا ضيق المجال وخوفي من زعل الأنظمة العربية وضيق صدرها لحدثتكم عن أنواع البلاوي والمصائب في مجال الطوبة!!