عامر بدر حسون /
بقدر ما يحتاج الناشط والمهتم بالعمل السياسي لقراءة الدستور وحفظه كما يحفظ “الطالب النجيب” جدول الضرب، فإن دستورنا القديم لم يكن حفظه صعباً على أحد، فهو على طوله اختزل بمادة واحدة!
تطبيق دستورنا الحالي، بكل مواده، يحتاج إلى جهود جبارة من الجميع، وقد لا يتم هذا في وقت قريب، وسيستمر القراء والسياسيون، الذين لم يقرأوا الدستور، في شتمه أو طلب إلغائه او محاولة تعديله دون جدوى!
صدام حسين لم يتعب نفسه أو يتعب الشعب وحتى المعارضة في الكلام الفارغ عن الدستور، لقد فعل ما يجب فعله:
تسويد بعض الصفحات بكلام إنشائي عن الشعب وأعداء الشعب، وجمل عامة عن الواجبات والواجبات والواجبات أيضاً، ثم قام برزمه ووضعه على الرف، واكتفى بمادة واحدة منه استخدمها باستمرار، أعني المادة 42.. وهنا نصها:
” يمارس مجلس قيادة الثورة الصلاحيات التالية :
أ – إصدار القوانين والقرارات التي لها قوة القانون.
ب – إصدار القرارات في كل ما تستلزمه ضرورات تطبيق أحكام القوانين النافذة.”
ويتذكر العراقيون أن أخطر وأغلب قوانين صدام كانت تصدر وفق هذه المادة: استنادا إلى المادة “42” من الدستور المؤقت قرر مجلس قيادة الثورة الحكم بالإعدام على كل من ينتقد رئيس الجمهورية أو رئيس مجلس قيادة الثورة……وكان يختم بهذه المادة:”لا يعمل بأي قانون أو قرار يتعارض مع هذا القانون وينفذ من تاريخ صدوره”!
المعنى التطبيقي لهذه المادة هو أن لا دستورَ يمكن الرجوع إليه! والأمر أولاً وأخيراً هو بيد صدام حسين ما دامت تلك المادة تسمح له بإصدار أي قانون يريده، وإيقاف العمل بأي قانون وقرار صدر من قبل.
الوضع الذي عشنا فيه عشرات السنين: دستور طويل عريض يتضمن مادة تقول إنه ليس بدستور وإن تطبيق المادة 42 منه كافية وفيها الخير والبركة!
هذا يجعل عدم اكتراث العراقيين بالدستور الحالي مفهوماً، واعتباره من أكسسوارات الدولة ولا شأن لهم به، ولم يكن الدستور طرفاً في أية مشكلة أو حل.
***
عندما خرج العراقيون ووقعوا على الدستور الجديد، بدوافع عديدة لم يكن من بينها قراءتهم له، وحتى من قرأه فقد قرأه كما تصوره طوال حياته: ورقة عليها توقيع الحاكم كما شرح صدام حسين الدستور والقانون ذات مرة!
الدستور في العالم هو عقد اجتماعي موقع بين السكان لضمان حقوق الأفراد ولجم الحكومة إن أرادت تجاوز دورها أو الحلم بالمادة 42 التي منحت صدام حكماً مطلقاً.. وهو سند طابو بيد كل فرد، إن أراد الدفاع عن حقوقه. لكن الشائع عندنا هو المطالبة بإلغاء الدستور أو تعديله او تعطيله، حتى يستطيع الحاكم أن يتصرف على مزاجه أو مزاج الجماهير!
الدستور لايفيد الحاكم الذي يحاول دائماً التملص منه بل يفيد المواطن. لكن المواطن يصرخ: خلصونا من الدستور لأن الحاكم لا يطبقه! يعني هو شيء يشبه تهديد الدائن للمدين بتمزيق الكمبيالة التي تثبت حقّه!
بالمناسبة نص المادة 42 في الدستور الحالي يقول التالي.. فقط:
“لكل فرد حرية الفكر والضمير والعقيدة”!