نرمين المفتي /
ذات حرب، غادرت ديزي الامير بغداد التي تحب الى بيروت وتركت فيها شقتها ومكتبتها وسيارته
قالت انها لن تتأخر وليست بحاجة ان تترك مفتاح سيارتها عند الصديقة التي ستحتفظ بها في مرآب مؤسستها لادامة بطاريتها.. ولم تعد، وانقطع الاتصال بها..
ما نعرفه انها كانت في بيروت وتعاني من متاعب صحية واخرى نفسية بعد رحيل شقيقتها التي كانت تعيش معها، فضلا عن انها حين اكتشفت فقدانها لغالبية ممتلكاتها في لبنان ولا مجال لذكر الأسباب لعدم تمكننا من اخذ موافقتها قبل النشر، لانها قضية شخصية جدا..
اختفت ديزي مع أخبارها ولم نعد نسمع منها اوعنها في بغداد وبيروت، العاصمتين اللتين احبتهما جدا وهي البصرية المولودة في الاسكندرية.. وتوقفنا عن السوال عنها منذ سنوات بعد ان يأسنا من العثور عليها..
في ٢٩ تشرين الثاني، سمعنا عنها، اخيرا، في جريدة النهار البيروتية في خبر عنها عن انه ( رحيل ” اميرة ” القصة القصيرة ديزي الامير) وفي مقدمته نقرأ انها رحلت في ٢٢ من الشهر نفسه في هيوستن الامريكية.. ولم اسمع لغاية كتابة هذا المقال اي نعي رسمي عراقي لرحيلها، وكل ما نشر على مواقع التواصل الاجتماعي من نعي واستذكارات انما من قبل أصدقائها وصديقاتها..
ديزي اوالاقحوانة بالعربية، والتي كانت بأناقتها وهدوئها تبدوكأميرة، عرفتها من خلال المركز الثقافي العراقي في بيروت حين كانت مديرته في ١٩٨١ واصبحت صديقة بعد عودتها الى العراق في منتصف ثمانينات القرن الماضي. هذه السيدة التي بدت قوية بملامحها، كانت هشة من الداخل، بسبب تعنت والدها وظلمه والوفاة المبكرة لوالدتها ومن ثم معاناتها من زوجة ابيها، هذه الهشاشة التي جعلت منها أديبة متميزة وقبلها مربية قريبة من الاخرين ومن المتلقي.. وهي الهشاشة نفسها التي أوقعتها في القضية التي أفقدتها أملاكها او اوصلت بزواجها الى الطلاق بعد سنتين فقط وأنهت خطوبتها من الشاعر اللبناني خليل حاوي الذي مات منتحرا في ١٩٨٢.
حين عادت الى بغداد بعد سنوات ، كانت قد قررت ان لا تغادرها ثانية، ولكنها غادرتها في ١٩٩١، ليس خوفا من حرب قادمة، انما لانها ملت الحروب وهي التي شهدت الحرب اللبنانية منذ بدايتها..
طالما تغزلت بذلك البلد البعيد،حين كانت بعيدة عنه وتمنت حين اصبحت به ان تدفن فيه، فقد كانت الموجة التي عادت الى بحرها، لكن قدرها كان ان ترحل في بلد بعيد اخر لم تكن تفكر حتى في العيش فيه، رحلت وتركت رسائل خليل حاوي اليها التي حين نشرت بعضها في كتاب، انتقدت كثيرا لانها مسحت اسمها في بعضها ورسائل من اخرين اليها لم تضعها في كتاب، رحلت دون ان يودعها الاصدقاء ودون ان يحضروا جنازتها.