رجل ظريف !!

حسن العاني/

في محافظات العراق قاطبة، هناك ظاهرة قديمة اسمها (الإنسان المشهور)، سواء كان رجلاً ام امرأة، وهذه الشهرة ليست حكراً على نوع محدّد من السلوكيات او الصفات، فهي البخل او الكرم، وهي الجبن او الشجاعة، وقد تكون الصفة أخلاقية، سلباً او إيجاباً،
تنضوي تحت مظلتها العشرات من السمات كالذكاء او التحايل والثرثرة والجمال والغباء والقبح والصوت الغنائي العذب …الخ، بل إن عدداً من (الشقاوات) في تاريخ العراق الحديث كانوا يمثلون ظاهرة الشهرة، لعلَّ صاحب كتاب (بغداد في العشرينيات) عباس بغدادي، قدم صورة وافية عنهم.
ليست كل صفة يتمتع بها الإنسان تعد ظاهرة ما لم تكن (متطرفة) الى الحد الذي يصبح فيه أصحابها مضرب المثل، والفرق بين شهرة وشهرة يكمن في نوع العادة وقوة تعاطيها… وبعيداً عن ذكر اسمه، بعد انتقاله الى رحمة الله تعالى، واحتراماً لهيبة الموت، ساكتفي بذكر كنيته التي عرف بها: (أبو جاسم)، شخصية بغدادية من شخصيات محلتنا الكرخية، لم اصادف رجلاً يحمل من الظرف والمزاح والمواقف الطريفة مثله، وزيادة على ذلك، فقد اجتمعت له عدة صفات لا تخلو من غرابة ومعظمها متناقضة، فالرجل لا يتردد عن تقديم أي عون يحتاجه الآخرون، بل يتطوع في تقديمه من دون طلب، ويكفي أن يعرف ماهو العون المطلوب على أن لا يكون (مالاً) لأنّه مفلس مزمن، ومن هنا كان يقترض وينزعج لو سأله أحد عن موعد إعادة القرض، بعد شهر او شهرين او ثلاث سنوات، ولكنّه بالمقابل، متى أصبح المبلغ تحت يده، جاء به مسرعاً ومعه هدية عليها العين وأطنان من مفردات الشكر والامتنان !!
أبو جاسم، الظريف الغريب التصرفات، أجبروه قبل 2003 على الانتماء الى (حزب السلطة)، فكان في أحسن الأحوال يحضر اجتماعاً ويتخلف عن الحضور ثلاثة اجتماعات، ولكنَّه في أحد الشهور التزم بالمواعيد، وصار يحضر الى مقر الفرقة الحزبية كل يوم، ويطلب شموله بالخفارات، ويظهر نشاطاً عالياً، وكان السبب كما أخبرنا في جلسة خاصّة جدّاً، أن قيادة الفرقة الحزبية تنوي ترقية بعض منتسبيها، وحين لم يحصل على الترقية ترك التنظيم بصورة نهائية !!
لم نعرف عنه يوماً أنّه صام رمضان في صيف او شتاء، او أدّى الصلاة في أوقاتها او في يوم جمعة، او دخل جامعاً او حسينية، ولكنّه فجأة قبل عدة أعوام، شوهد غير مرة على الفضائيات وهو يصلّي فلم نصدق، قال بعضنا: من طباع (أبو جاسم) أن يجرّب كل شيء وهو يجرّب الصلاة، وقال من قال: لعلّه تاب واستغفر، وتساءل من تساءل …الخ، أبو جاسم أخبرنا سراً، أنّه كان يؤدي (الصلاة المشتركة) التي ابتدعها السياسيون لكي يظهر في التلفزيون، كما أخبرنا بأن هذه الصلاة مفضّلة عند أغلب السياسيين وعنده، لأنَّها مريحة ولا تحتاج الى وضوء !!