رحم الله امرَأً

نرمين المفتي /

“رحم الله امرَأً عرف قدر نفسه”، قول رائع من الخليفة عمر بن عبد العزيز (رض) الى ابنه، ذهب مثلاً وأصبح بديهية حياتية. كنت أعتقد أن قليلين هم الذين لا يعرفون قيمتها. لكن ما يجري حولنا، يؤكد لي يوماً بعد أخر بأنني كنت على خطأ. ليس في مجال واحد، إنما في كلها، بدءاً من السياسة وانتهاءً بأصغر مهنة.
هناك من لا يعرف قدر نفسه ويعطيها أكبر من حجمها، وليته يسكت، إنما نراه يتدخل في كل شيء ويناقش، ورهانه أن الآخرين الذين يعرفون قدر أنفسهم حقيقة يخشون لسانه وكلماته وصفحاته الوهمية على مواقع التواصل الاجتماعي والتي يعرف كيف يستخدمها سواء في التسقيط او بث بطولات وأعمال يتوهم بأنه انجزها. إن مناقشة مثل هكذا (شخصيات) مثل المحرك الذي يرجع النار ويضر بنفسه.
فالذي يناقش شخصية أعطى لنفسه أكثر مما يستحق، يضر بنفسه، خاصة وأن الحكمة تقول إن مناقشتك للبليد تجعل الآخرين لا يفرقون بينكما..
لكن ما العمل اذا كانت الظروف التي نمر بها تضطرنا الى مناقشته، خاصة حين يدس أنفه في أمور لاعلاقة له بها.
إن ما يتفوه به الذي أعطى لنفسه حجماً أكبر ليس سوى جعجعة دون طحين، ويقول المثل التركماني إن المطحنة تستمر في عملها بينما جعجتها توجع الرأس، والمفروض رأس من يقترب من المطحنة.. لكن الظروف قلبت الأمور، فأصبح هناك من أحال لسانه وصفحته الى مطحنة لا تعرف الخير، واذا اقتربنا منه محاولين إيقافه، فأنه سيوجع رأسنا..
هل من حل؟ قطعاً هناك حل، إذ أن تغيير الظروف الى الأحسن منوط بنا، لابد من رفع الأصابع لتشير الى هؤلاء الذين لا يعرفون قدر أنفسهم، ولابد من مقاطعتهم..
ابتداءً، هم سيفرحون بالمقاطعة، سيعتقدون بأن الساحة بقيت لهم، لكن طول المقاطعة سيجعلهم منعزلين، لا يرون غير أنفسهم ويبدأون بكشفها، قد ينصلح حال واحد او اثنين، لكن البقية سيعرفون، مرغمين، قدر أنفسهم الحقيقية الصغيرة وسينسحبون، لا مجال آخر أمامهم.
مهمة صعبة أمامنا وتحتاج الى الوقت، أي مرحلة صبر جديدة لابد منها لنريح رؤوسنا من الجعجعة الفارغة.