روني وابن صعصعة!

جمعة اللامي /

سأجعل كلبي ما حييتُ مُنادمي وأمنحه وُدّي وصفو خليلي
(الحارث بن صعصعة)

عشيّة العام الجديد ادلهمت السحب الاصطناعية في فضاء مدينة الشارقة فقلت لنفسي: يا رجل عليك بملاقاة المطر، ومصادقة الريح، فالعمر مكتوب ومؤجل، وإنما الحياة ساعة، فاغتنم ساعتك، وأنت على أعتاب السنة الثمانين من عمرك المديد السعيد . ولقد خطرت لي هذه الخطبة بعدما قرأت آخر أخبار حقوق الكلاب في البلدان العربية، فعنّ لي أن أستلف خطبة جاري “أبو منيف” ومزايا كلبه.
قال جاري: لا تأخذك الظنون في روني، فهو في مثل عمر أحدنا في سنّ الأربعين.
هنا تذكرت ذلك العربي: الحارث بي صعصعة، وما جرى له مع أحد أصحابه وزوجته، وانقطاعه عن الخلان، ومصادقة كلبه الوفي . سنعود إلى “ابن صعصعة” هذا، ولكن ربما يكون مسلياً القول إن روني، الوقور الخجول، من دون ذنب، وبأذنين طويلتين، وبردفين كردفي خنزير، وأنف لا نهاية له، ولغدين مترهلين، وعينين ناعستين، وقوائم أربع محفوفة الشعر.
وأجمل ما عند روني، هو سعاله، فإنه يسعل بطريقة تذكرني بصوتي عندما كنت مدخناً. لكنه لا يزال محتفظاً ببعض سجايا الكلاب ـ ومنها التبول لرسم حدود منطقته، والنباح لمناسبة أو لدونها، والنظر بطرف كسير عندما تصادفه أنثى لا تزال شابة.
قال أبو منيف: شكراً للعلم، فلقد وجد العلماء عقاقير طبية، تمنع الحمل لدى الكلاب، وهذا ما كنت أبحث عنه لاستكمال حقوق روني.
– “آها!”
– “حبوب منع الحمل لروني وأحبابه متوافرة حالياً لدى شركات بيع أطعمة الكلاب، والصيدليات الخاصة بها، والاستخدام بسيط وسهل، وروني يحمل تحت جلده جرعة لمنع الحمل “.
ثم قفز صاحبي فرحاً، وقال:
ــ “شيء لا يصدق، هذا مدهش، يحيا العلم!”.
أبو منيف رجل بسيط يحب الحياة، ويجلّ زوجته، ومن أنصار حقوق الحيوانات الأليفة وغير الأليفة، لكنه لم يسمع بالحارث بن صعصعة، الذي يعرّفه “محمد بن المرزبان” البغدادي في كتابه “كتاب فضل الكلاب على كثير ممن لبس الثياب” بأنّه صاحب ندماء معروف “فعبث أحدهم بزوجته فراسلها، وكان للحارث كلب رباه” .
والحكاية مدوّنة ومرفوعة عن “عمر بن شِمر” عن “أبي الحسن المدائني”، وفيها أن الحارث خرج مع ندمائه للقنص، وترك ذلك الصديق مع زوجته في منزلهما، فغدر به الصديق وزوجته وخاناه، فما كان من كلبه إلا أن قتلهما وهما على فراش الخيانة، فعظم الكلب في عين الحارث، وصار نديمه!