عبد الحليم الرهيمي/
قبل أن يتواجد العراقيون بأعداد كبيرة في دمشق منذ أوائل سبعينات القرن الماضي، لم يعرف الكثير منهم قدراً كافياً عن ثقافة وتقاليد الشعب السوري وعاداته، لكن العيش في دمشق والتعايش مع أهلها يكتشف المرء الكثير من مظاهر تلك الثقافة والعادات كالهدوء والكياسة وطيب السريرة والتسامح التي يتسم بها المواطن السوري. وقد شهدت عندما كنت أقيم بدمشق آنذاك حادثة لطيفة لكن ذات دلالة تشير الى بعض تلك الخصال. فبينما كنت في أحد الأيام اسير على رصيف أحد الشوارع شاهدت تصادم سيارتي شحن صغيرتين ببعضهما فترجل سائقاهما فوراً وأخذا بالصراخ وتحميل كل منهما للآخر مسؤولية ما حدث، ومع اقتراب كل منهما نحو الآخر وهو يحمل عصا خشبية تدخل بعض المارة لفك الاشتباك بينهما، ومع تزايد نبرة الصراخ بينهما والتهديدات الكلامية بالويل والثبور انسحب الوسطاء لأعتقادهم بلا جدوى محاولة فك الاشتباك خشية ان ينالهم الأذى في التحام المتشاجرين في (معركة)، حيث أقتربا من بعضهما استعداداً للأشتباك. أما أنا الذي كنت أرصد عن قرب ما يجري وتوقعت ان يستخدم كل منهما (آلات المعركة) التي يحملها ضد خصمه فقد تبددت توقعاتي عندما أقترب المتشاجران من بعضهما وكل منهما يصرخ بالآخر، ثم استبدلا فجأة، الصراخ والاستعداد للمعركة، بقول كل منهما للآخر، وبصوت واحد (لك رووح.. الله يسامحاك) وعاد كل منهما الى سيارته بسلام! عندها تساءلت ماذا كان يفعل عراقيان في الموقف ذاته لو أرتفعت حماوتهما وحرارتهما؟ والان أتساءل ايضاً: هل ان السوريين مازالوا يحتفظون بروح الألفة والتسامح هذه بعدما شهدوا – وما زالوا – يشهدون حالة الحرب والعنف المدمر منذ سنوات ؟.. ربما.