#خليك_بالبيت
علي السومري /
كلما وصلتني دعوة إلى مهرجان ثقافي، أفكر كثيراً قبل تأكيد حضوري من عدمه. هنا أتحدث عن المهرجانات الأدبية فقط، ولمن يسأل لماذا استثنيت المهرجانات الفنية مما أكتب؟ سأجيب بأن أغلب المهرجانات الفنية يكون غاية طموحها النجاح، سواء أكان هذا عبر الوصول إلى الدهشة التي يحققها المسرح، أم عبر متعة الفرجة عند مشاهدة العروض السينمائية، وهنا فأنا لست بصدد تقييم ما قُدم في هذين المجالين طوال أكثر من ست عشرة سنة منصرمة!
قلت: كلما وصلتني دعوة لمهرجان ثقافي، أفكر كثيراً قبل تأكيد حضوري من عدمه، لا لشيء، فقط لأنني وببساطة مطلقة، أعرف ما سيحدث فيه ومن سيتحدث ضمن فعالياته، وماذا سيقال في كلمة الافتتاح، ومن سيفتتح القراءات الشعرية، ومن سيخاصم المهرجان لأن اسمه سيحذف مثل كل مرة في حفل الافتتاح، وسيقاطع المهرجان، لكنه سيعود في المهرجان اللاحق، وسيحذف اسمه مرة ثانية، وسيقاطعه مرة أخرى!
من أين يأتيني هذا اليقين بما أكتب؟ هل يمكنني القول بأنه نتاج حضوري أغلب تلك المهرجانات، سواء لتغطيتها صحفياً أو تلفزيونياً، أو حتى حين أكون مدعواً ضمن قائمة تضم المئات من الشعراء والأدباء والكتّـاب والصحفيين!؟
أدرك وأنا أكتب الآن أن جائحة كورونا أصابت الثقافة ونشاطاتها بشلل كُلّي، لكنه شلل مؤقت سيزول بزوال مسبباته.
لكن هذا ما كان يحدث في أغلب المهرجانات التي أقيمت سابقاً، والتي يشعر الحضور فيها أن الغاية منها هي رؤية الأصدقاء! وهذا بالتأكيد ليس هدف المهرجانات الأساسي أو الغاية من إقامتها، فالمهرجانات التي لا تنتهي بالوصول إلى خط بداية لمشروع ما، أو تأسيس منهاج لمواجهة ما تعانيه الثقافة عامة والأدب خاصة، فالمهرجانات التي لا يتداخل السياسي فيها بالثقافي، بالنسبة لي، لا يعوّل عليها.
وإلا كيف يعقل أن ينشغل القائمون عليها، وهم يبذلون الجهد والمال، بحسن نية وسوء تنظيم، من أجل لقاء عابر في قاعات مغلقة، تشغلهم الأحاديث الخاصة عن سؤال الثقافة وأهميته؟
وهنا لا أنكر ما يقدم فيها من دراسات مهمة، لكن، وهو الأهم، أين انتهى المطاف بهذه الدراسات؟ هل طبعت بكتب ووزعت على جمهور الثقافة؟ هل أثارت الأسئلة المطروحة فيها حفيظة الحاضرين؟ هل حمل جمهور المهرجان هذه الإشكاليات معهم إلى البيت للوصول إلى حلول لمشاكل طُرحت أو سُلط الضوء عليها؟ أم أن كل ما جرى تم نسيانه بعد ساعات من اختتام المهرجان؟
ما أكتبه هنا ليس انتقاصاً من جهد الخيرين في الوسط الثقافي أو الأدبي، لكنه تشخيص لخلل ما، خلل أراه مثل سرطان انتشر في جسد الثقافة العراقية وفعالياتها، خلل يحتم علينا، نحن المثقفين والمراقبين، علاجه قبل أن نستسلم للعيش معه!