عبد الله صخي /
ثلاثون عاماً مرت على المجزرة، فيما الصمت يزداد حولها ويغطيها بأستار السلطة القمعية الكثيفة.
ثلاثون عاماً مرت ولم يتمكن أحد من معرفة العدد الحقيقي للضحايا، أما العدد التقريبي فظل يتأرجح بين المئات وعشرات الآلاف، حتى السلطات الصينية التي أطلقت النار على الأجساد الشابة تفرض حصاراً على أي استذكار للمجزرة وعلى الإعلان عن عدد ضحاياها، بل أنها راهنت على النسيان، على الزمن الذي يطوي الأحداث برداء معتم ثقيل طالما استخدمه الطغاة لمحو جرائمهم. ففي منتصف نيسان من عام 1989 تجمع شباب وطلاب مدارس وجامعات واحتشدوا في ساحة تيانانمين (السلام السماوي) في بكين وهتفوا للحرية والعدالة وطالبوا بمحاربة الفساد، وسرعان ما اتسع الاحتجاج وشمل مدناً أخرى. وانضم إلى متظاهري الساحة عمال أثقل حياتهم التضخمُ المالي، شاركوا في الاعتصام ورددوا مع المنشدين: “نريد لبلدنا أن يكون قوياً ومزدهراً.” ولم يتوقف الاحتجاج عند هذا الحد، إذ حين رأى المطالبون بالحرية صمت السلطات وعدم الاستجابة لهم لجأوا إلى أسلوب آخر هو الإضراب عن الطعام.
عدّت السلطات ذلك تحدياً سياسياً، وإثارة للاضطرابات، وتهديداً للسلم الأهلي! ففرضت الأحكام العرفية، لكن الاحتجاجات استمرت مدعومة بصوت الشعب، وانقسمت آراء القيادة بشأن طريقة التعامل مع الأحداث. وبعد مداولات حادة انتصر التيار المتشدّد الذي اتخذ قرار المواجهة وأطلق نفير الاستعداد. يومها لم يخطر في بال أحد أن السلطات سوف تطلق النار على آلاف المعتصمين. وما هي إلا ساعات حتى طوقت الدبابات الساحة ووجهت فوهاتها نحو المحتجين، وصوّبت قوات الجيش البنادق الهجومية إلى صدورهم. ومن بين صور التحدي اشتهرت صورة ذلك المتظاهر الذي وقف أمام الدبابة كي يمنع تقدمها باتجاه رفاقه.
في ذلك الفجر الرابع من حزيران 1989 تهاوت آلاف الجثث المثقبة بالرصاص وسط تصفيق القيادة للجيش الذي نفّذ الهجوم ضد “مثيري الشغب” الذين يستهدفون التجربة الديمقراطية! ومنذ ذلك اليوم فرضت السلطات تعتيماً على المجزرة، فلم تسمح بالحديث عنها ولا بإحياء ذكرى ضحاياها. السلطات القمعية تخاف التاريخ، تخاف الحقائق، تخاف قصاص الشعوب.
بعد ثلاثين عاماً، وفي ذكرى المجزرة، ها هي الساحة خالية إلا من سيارات رجال الأمن ونقاط التفتيش. لا شموع أضيئت ولا زهور ألقيت فوق الأديم الذي لوّنته دماء المتظاهرين يوم هتفوا وهم يواجهون الرصاص بصدور مكشوفة: “محبّة الوطن ليست جريمة”.