هاني نديم / شاعر سوري/
كانت تلك الأغنية شعار المرحلة لقريةٍ غادرها أهلها أفواجاً إلى دول النفط مع طفرته العظيمة، حين بدأت ساحاتها تخلو من الشباب شيئاً فشيئاً،
أواخر السبعينيات، في الريف السوري كانت التلفزيونات بالأبيض والأسود، إن وجدت بالأصل. ومن حسن الحظ أننا كنا نمتلك أحدها. هذا التلفزيون، في تلك المرحلة، كان إلهاً جديداً يلقم الناس أفكاراً ومفاهيم أخرى غير التي يعرفونها، ويبثّ أغنيات غير تلك التي ترددها العمّات، يمرر لهجات مختلفة و”أشكال ألوان” من ممثلين ومذيعين ورياضيين ومغنين.
ولعله كان أول سفرٍ بصريٍ لي خارج حدود مرج الخيال والتفكير. آنذاك كان التلفزيون السوري يبث أغنية بشكل متكرر لشاب أسمر يشبه أهل قريتنا يقول فيها:
يا طيور الطايرة روحي لهلي.. يا شمسنا الدايرة مرّي بهلي..
كانت تلك الأغنية شعار المرحلة لقريةٍ غادرها أهلها أفواجاً إلى دول النفط مع طفرته العظيمة، حين بدأت ساحاتها تخلو من الشباب شيئاً فشيئاً، إذ ذهب جلّهم إلى الكويت والسعودية والإمارات، بنائين ونجارين وميكانيكيين وعمّالاً ومهندسين وأطباء، وظل الحنين المفترس في المدينة يغني وحده: “سلّميلي الشوق يخضرّ.. بالسلام وبالمحبة.. سلّميلي الشوق طير وياك رايح عرف دربه.”
بعد هذا الكلام بخمسة وثلاثين عاماً، تتيح لي الحياة أن أكون صديقاً مقرباً من كوكب حمزة، ملحّنها، وسعدون جابر، مغنيها، ونغنيها.. وأبكي طبعاً! هذه الأغنية أصبحت سفرة المنافي، وصدى الغربات.
في ستوكهولم، في رحلة عمل، سمعتها في المترو تأتي من وراء ظهري، يغنيها شاب بصوتٍ مهولٍ، بينما كان صديقه يرقص كالطائر المذبوح نصف ذبحة.