كاظم حسوني/
ربما حدث لك ذات مرة أن فقدت كتاباً نفيساً لم يتسن لك قراءته، ليتحول بعد حين الى هاجس مستديم يصعب ازاحته والتخلص منه، وبمرور الوقت تتسع طاقة حضوره في الذاكرة، وتتعاظم الحاجة أكثر إليه ليستقر في نهاية المطاف حلماً ملازماً، أو حالة من الوجد، ما يعمق الاحساس بفقدانه ويدفع للبحث عنه مجدداً، وعدم العثور عليه بمرور الوقت، ينمي الشعور ويحفزه بضرورة التوصل إليه وامتلاكه، كتابنا هذا لفرط الرغبة فيه يمتزج في الوعي واللاوعي، يستدرجنا دائماً نحو فضاءات مفتوحة وكأن الأشياء تبتدئ منه فنروح ننسج أساطير فصوله في مخيلتنا، نتصفحه نستعيده، نستحضر كلماته، ننقش فيه أحلامنا وهواجسنا ورغباتنا وأفكارنا الصامتة، نضيف فيه أشياءنا، كتاب الغواية هذا لا تعوضه سائر الكتب التي قرأناها والتي لم نقرأها بعد، ويبقى سؤالنا معلقاً هائماً، عن سر تعلقنا به، ربما لأننا اكتشفنا وعينا فيه، برغم غيابه، لكنه يتجدد، ينبع، يتشكل من الغياب ذاته! فنرى فيه صورنا، وما يعتمل في ذواتنا، يخاطبنا بما لم نصرح به أو نجرؤ على الحديث عنه، يمهد لاستعادة ما انفرط وغاب منا في زحمة أيامنا، يهب لنا احساساً متجدداً بالحياة، كتابنا المضاع انطوت صفحاته بما هو مبهم ومستور ومسكوت عنه، كتابنا لا نستبدل أي كتاب سواه، دون كلماته في أوقات خلوتنا، في لحظات اشراق وتجل، نكتب فيه أوهامنا وما تنسجه خيالاتنا، صفحاته حمائم، صفحاته ظلال وصور، خطوط وأشكال، من ضوء وألوان، كتاب لا يعرف بنوع فهو ليس برواية او شعر او تأريخ وفلسفة، أنه شكل مكتف بذاته، عالم من التجريد والحس عالم نستنطقه نحاوره، نبتكر اسطورته، نفتح نوافذه، نطل منها على تخوم أرواحنا، نفترض ما لا يصح افتراضه، نتحكم فيه بما يحلو لنا، نمحو ما لا نريده، نسطر فيه فصول سيرتنا، نحكي عن عوالمنا الخفية، نفتح أسرارنا، نبوح بملامحنا، كتاب السيرة هذا هو خير الكتب، مفقود، لكنه يكمن فينا.