حسن العاني
في عام (2000) رزق السيد كامل عبد الله، الموظف المرموق والشخصية الاجتماعية المحترمة بمولوده البكر، وكما جرت العادة العراقية فقد بلغت فرحة (الأهل) أعلى مدياتها، ولاسيما أن ضيف الأسرة الجديد (ذكر)، وليس الذكر كالأنثى.
وكما جرت عادة العراقيين كذلك، فقد تباينت الآراء حول اسمه قبل الاتفاق على (حبيب) اسماً حظي بشبه موافقة جماعية، وكان هذا الاختبار موافقاً لرغبة والده منذ أيام العزوبية!
حين بلغ الطفل الثالثة من العمر، كانت الألعاب التي هيئت له تكفي لأربعة أطفال في عمره، كرات مطاطية من شتى الحجوم والألوان، بالونات وعربات صغيرة وكبيرة ودمى، وأنواع لا تحصى ولا تعد، سواء من الألعاب البلاستيكية أم المصنوعة من الجلد أو القماش ..الخ. وعندما بلغ الخامسة من العمر، كانت أمه تتخلص من عبثه لكي تتفرغ الى شؤون المنزل بإعطائه (الموبايل) الخاص بها، و.. سرعان ما نشأت بينهما علاقة وطيدة، حتى أنه كان يلزم مكانه ساعتين وثلاثاً وأربعاً، لا يسأل عن ماء أو طعام، وهجر ألعابه القديمة جميعها وهو يتنقل بين صور وعوالم الإنترنت المغرية. ويوم دخل (حبيب) المدرسة الابتدائية، ونجح الى الصف الثاني الابتدائي، كانت الهدية التي حصل عليها من والديه هي (جهاز موبايل حديث)، لعلها الأقرب الى رغبته، ولعلها فرصة لعودة هاتف أمه إليها!!
هاهو الولد يبلغ الصف السادس الابتدائي، حين لاحظ الجميع، وفي مقدمتهم أسرته، أن (حبيباً) أصبح في مصاف خبراء الموبايلات ومعطيات الإنترنت، حتى أن أي شخص، بمن فيهم الجيران، يعاني من مشكلة في هاتفه يعود إليه، وعنده يجد الحل مهما كان حجم المشكلة. ولاحظ الوالدان أن ابنهما يمضي الليلة على الليلة في سهر متواصل، مثلما لاحظا أن عينيه باتتا تعانيان من تعب ألزمهما بإجباره على ارتداء النظارة الطبية. ومن بين ملاحظاتهما أن ابنهما استطاع عبور الصف السادس الابتدائي من الدور الأول بشيء من الصعوبة وبدرجات امتحانية واطئة، وأنه لا يعرف ناتج (7×8) مثلاً إلا بالعودة الى حاسوب الموبايل!!
في عمر14سنة كان حبيب يسهر مع أصدقائه كل ليلة في بيت أحدهم سهرة (إنترنت)، ولم يفطن الوالدان الى أن المواقع (الإباحية) أصبحت الشغل الشاغل لابنهم، لكن ما أثار انتباههم هو(رسوبه) في الصف الثالث المتوسط .. و .. وفي عمر التاسعة عشرة من عمره أجبر والديه على تزويجه من الفتاة التي تعرف عليها عبر الإنترنت وبادلها حباً عنيفاً. وفي عمر العشرين جرى طلاقهما، فقد كانا من طبعين متنافرين. وحين بلغ عمر (21) سنة اكتشف الوالدان أن ابنهما لم يعد من متعاطي المخدرات فقط، بل أمسى كذلك واحداً من مروجيها وتجارها، وقد حاولا منعه ما وسعتهما المحاولة من دون جدوى. ومع بلوغه الثالثة والعشرين من العمر كان نزيل أحد السجون، وكان عليه دفع الثمن غالياً … دمار حياته ودموع والديه…