جمعة اللامي /
” افتح بصيرتكَ ، حتى ترى من هو مشهودكَ ”
( نُور الدين الجامي)
قالت، والناس يتسوقون لأواخر أيام السنة الميلادية الحالية: ” أقصدُ صاحبي فلعلّي أجد عنده زاداً غير هذا الذي يُقبل عليه المتسوقون من مشرب ومأكل”. راقت لي فكرتي، فحزمتُ زوّادتي وتوجهت إلى عريشه عند الساحل في تلك الليلة، قبل ثلاث ليال. استروحت نيرانه، فشاهدت كلماته بدل صوته، وسمعت نشيجه بدل نشيده، وكان الليل يدنيني من أنين:
” فليأتِ كلّ من يريد، حتى أعقد معهُ رهاناً . إن حجر الصوان تدب فيه الروح، إن اتصل بمولاي” .
ولقد أخذتُ أقول للورد، ذات يوم: “يا لك من مستبشرٍ ضاحك ! فقال لي الورد: ألست تعلم لأي سبب أضحك ؟ إن خيال مليكي الجميل تبسّم في وجهي. فصرت هكذا نسلاً بعد نسل، وهكذا يصير لنسلي نسلاً بعد نسل”.
دنوتُ، فسمعته يتدلى مثل زهرة ناضجة تتمنّى الوقوع في حضن حبيبها، ثم رأيته قمراً وقد ازدانت الدنيا بأقمارها، بينما كان صوته يدنو إليّ، وأنا أسير تلك السلاسل الحرّة : “منذ أن صرت أسيراً وعاشقاً لذلك الجميل، صرت كالروح، ولست بالشيطان، ولست بالجنّي، فكيف اختفيتُ عن الجميع ؟ وكنتُ ثلجاً فذبتُ، تشربني الأرض، وصرتُ – بأجمعي ، دخان قلب ، حتى أصعد إلى السماء”.
أدركتُ إني وصلت إلى سرّة منطقة السر عند صاحبي، رغم إني لم أرَ سوى الليل، ولم أسمع غير هسيس أصغر مخلوقات الله. فدنوت منه حتى لقد احتك الكتف بالكتف، وقلت له:
ـ يا غريب المتروك، هوّن عليك!.
سمــ “وهل ترك لي حبيبي آخر غيره ؟ فكيف لا أتخبل في حبّه، وأن أراه لا كما يراه الناس، وأحبه لا كما يتقرب منه الفانون ؟” أجاب متسائلاً.
قلت: أنعم به، وأعظم.
قال: أيها الفاني، ادْن مني.
دنوتُ، ودنوتُ، فرأيتُ ما لم ترهُ عين ، وسمعت ما لم تسمع به حاسة مخلوق، مرة بعيني، وأخرى بصوت صاحبي: ” وإنْ كان لي رئيس سواك، فأنا جدير بحبل المشنقة. وإن أمسكتْ يدي بطرف رداء سواك، ألا قطعتْ هذه اليد ! ”
وحينها كنت المشهد والمشاهد، والمفتون بالآسر !
** تنويه : ” النصوص المقوّسة لجلال الدين الرومي”.