شخبطة عن نجمتي اللعوب!

عامر بدر حسون /

كنت في الرابعة من عمري* يوم طاردت، من “كل عقلي”، نجمة حقيقية في السماء!

كنت في الغروب.. واصوات الامهات تنادي على الاطفال في الدربونة:

– ولكم طبوا.. صار دنيا الليل (ولاحظ براعة الوصف: “دُنيا الليل” مقابل دنيا النهار)!

في ذلك الغروب رفعت راسي للسماء ووجدت نجمة قريبة مني جدا، فمددت يدي لامسك بها فلم اطلها.. فقفزت وقفزت وبقيت اقفز وانا احاول الوصول اليها فاسقط ارضا ثم انهض.. الى ان صحوت على صوت السيد طه (امام الجامع المجاور لنا) وهو يمسك يدي ويقول:

– شبيك ابني..شبيك؟!

***

كان منظري جنونيا: طفل في الرابعة يقفز الى السماء في ذلك الغروب الرائع ويريد ان يقطف شيئا مبهما.

تَفلّتُ من يده دون ان اجيبه وانا حريص على ان لا يرى هو او غيره ما اراه انا!

***
ركضت الى بيتنا وصعدت الى السطح مسرعا.. وواصلت القفز فلم انجح رغم قربها مني، فصعدت على السرير، وكنا ننام وقتها على السطوح صيفا، وحاولت ان امسكها ولكن دون جدوى!

كانت قريبة وبمتناول يدي.. لكنني كلما حاولت امساكها لم اصل!

نزلت من السطح لاهثا وبدات افتش عن شيء.. ووجدت محراث التنور* فجررته الى السطح وبدات المحاولة وانا اكاد ابكي من اليأس والامل!

***

واقتربت مني امي، التي كانت تراقبني فيما يبدو، واحتضنتني بذراعيها بقوة فوقعت في حضنها يائسا ومرهقا..ولم يكن ثمة صوت في ذلك الغروب سوى صوتها وهي تردد:

اسم الله.. اسم الله!

***

كان حضنها هو الحد الاقصى من الامن والدفء في الكون.. ولم تنزعج من منظر الشراشف البيضاء بعد ان لوثتها برماد التنور واثار اقدامي، ولم تسالني عما بي ابدا.. لذلك كان سهلا علي ان اغفو في حضنها فيما نجمتي تواصل خديعتها لي:

– انا قريبة جدا منك.. فلم لا تمسك بيدي؟!

في الحضن الدافئ محاطا بذراعيها وصوتها وعيني على النجمة تمنيت لو توقف الزمن..

لكنني غفوت!

***

هل كان ما حصل لي جنونا مؤقتا، كما ظنت امي دون شك؟

هل رأيت “حقا” نجمة مخادعة وجميلة استمتعت باللعب معي وتركتني حائرا حتى اليوم؟!

لم اتوقف عن متابعة النجوم حتى وانا في هذا العمر.. واشعر يوما اثر يوم ان الحديث بيقين عن الاشياء والافكار وقاحة ما بعدها وقاحة مادمت، وانا في الـ 69 من العمر، لم اتاكد بعد من حقيقة تلك النجمة اللعوب!

لكن “اليقين” المسيطر علي حتى اليوم يقول:

لقد رايتها! ورايتها لسبب!

هل ساعرف السبب يوما؟ وهل فات الاوان؟ لا ادري!

***

ولطالما اعتقدت اننا كبشر نتسلم رسائل عديدة، في طفولتنا كما حصل معي، او في عمر مختلف كما حصل معكم مرة ان كنتم تتذكرون.. لكن هل تتذكرون؟!
تذكروا رجاء فالعالم ضيق وصغير وخانق بحدوده المعروفة!

============================

* كنت في الرابعة بالتاكيد لان ذلك كان في فيضان دجلة عام 1954 ولي فيه اطياف من الذكريات.

** محراث التنور عصا تستخدم لتحريك النار في التنور.