جمعة اللامي/
وإذا الشوق إلى الأندلس أغلب،
والنفس بحقّ زيارته أطلب،
(شوقي)
عادت بي عودة صوت المؤذن إلى أحد جوامع غرناطة، إلى كتيب صغير في حجمه، ضخم في معانيه ومقاصده، تضمن بين دفتيه رحلة الأديب الباحث المصري «أحمد أفندي زكي»، إلى إسبانيا والبرتغال أو (البرتقال)، كما أحب أن يسميها، وما حَوَتْهُ من نكات لطيفة، وأشواق معلنة ومكبوتة. ولقد مرَّ أَكثر من مائة سنة على تلك الرحلة العجيبة التي ابتدأها أحمد زكي للأندلس، إذ هو زار إسبانيا والبرتغال سنة1893 بعدما انتهى من حضور مؤتمر استشراقي في لندن في تلك السنة. لكنها تبقى حاضرة بقوة في ضمائر الأدباء والشعراء والباحثين العرب.
وهذا ما سيجده القارئ الفطن في كُتَيِّب» شيخ العروبة» للجغرافي أحمد أفندي زكي. ولسوف يتأكد لديه هذا المعنى عندما يستعرض موجزاً لحياة كاتبه، الذي ولد بمصر سنة1866 وتوفى فيها سنة 1934 “واشتهر بتحقيقاته وتدقيقاته وأبحاثه التراثية واللغوية، مثلما اشتهر بمكتبته الشهيرة «الخزانة الزكية» كما يعرّفه الأديب السوري محمد كامل الخطيب.
ويحلو للخطيب وغيره أن يقسموا رحلات العرب إلى أوروبا، بين رحلة منبهر مأخوذ بالحضارة الأوروبية، كما هو حال الشيخ رفاعة الطهطاوي، في رحلته العتيدة إلى باريس، ورحلة رجل يأكله الحنين، ويسكنه الشوق، إلى آثار العرب والمسلمين في أوروبا، ولا سيما في إسبانيا والبرتغال. فهذه غرضها علميّ ثقافي، يريد صاحبها الامتلاء بالتاريخ العربي المكتوب على جدران القصور والمساجد، والانغمار بروح العربي وعقله المبثوثين في الكتب والمجلدات العربية التي تُرجمت إلى اللغتين الاسبانية والبرتغالية، أو التي لا تزال عذراء بعيدة عن الترجمة.
وفي المكتبة العربية رفوف عالية ، تضم كتب رحلات إلى إسبانيا والبرتغال، ويقعد على خشبها أساتيذ في دواوين الشعر الذي يناجي عقل العرب آنئذ، وانخذال العرب في عهد «ملوك الطوائف». وفي هذا إسقاط من ماض عريق مزدهر، على حاضر ضائع وخامل.
ولا أقرب إلى العقل من هذا كله، إلا رحلة أحمد أفندي زكي، المصري المسلم إلى «الأندلس» سنة1893 ثم ارتفاع صوت المؤذن في غرناطة سنة 2003.
أما حنين الشاعر أحمد شوقي إلى الأندلس التي إتخذها منفى طوعياً، حيث كتب هناك «شوقياته» المعروفة التي فيها حنينه الجارف إلى مصر، فلنا معها وقفة قابلة بعون الله. وفي الأندلس كتب شوقي بيت الشعر الشهير:
وطني لو شُغلت بالخلد عنه
نازعتني اليه في الخلد نفسي!