حسن العاني /
اذا لم تخذلني الذاكرة، فهو العام 1983 حين ركب صديقي حمدان الدليمي رأسه وقرر الزواج ولم يلتفت الى نصائح المتزوجين.. وكانت الفتاة التي وقع اختياره عليها من مدينة حديثة (أعالي الفرات)، وقد تعرف عليها في أثناء دراسته الجامعية، حيث تخرجا معاً في السنة ذاتها.. أما حمدان فينحدر من الفلوجة، ولكنه منذ السبعينات استقر مع أسرته في بغداد.
لعلها مفاجأة تدعو الى الضحك لم أتحسب لها، عندما دعاني الى ان أكون ضمن وفد “الخطّابه” المؤلف من العريس ووالده وشقيقيه وعمّه، فأنا أجهل حتى يومنا هذا التقاليد المتبعة في “الخطبة” وأصولها، وما يجب ان يقال ولا يقال، فقد كنت طوال عمري حماراً وحشياً في كل ما يتعلق بلغاوي الخطوبة ومجالس العزاء والفصول العشائرية.. على أن المفاجأة الأعظم تمثلت في إصرار الدليمي على دعوة صديقنا الشاعر الميساني عيسى حسن الياسري لمرافقه الوفد، ذلك لأن الرجل القادم من العمارة غريب على تشكيلة الوفد التي تنتمي بكامل اعضائها الى الإخوة العرب السنّة/ فرع الأنبار!!
لم يمانع الياسري او يعترض، فقد كانت تربطه بحمدان صداقة وطيدة، وبقدر ما أذهلتني المفاجأة بقدر ما اسعدتني، لأن عيسى يحتل منزلة استثنائية من بين أصدقائي، وهو رفيق سفر وطريق لا تُملّ صحبته.. و.. وهكذا غادرنا بغداد في وقت مبكر من الصباح، ووصلنا مدينة حديثة قرابة العاشرة، واستقبلنا أهل الدار، الذين كانوا على علم مسبق بمقدم الوفد، استقبالاً يليق بالملوك والمنتصرين والحبايب!! وفيما كانت غرفة الاستقبال الواسعة تضج بأصول الضيافة الكريمة وعبارات المجاملة وكلمات الترحيب، كنت أفكرُ بأفضل طريقة يمكن أن أزكي بها العريس، وأبتدع له صورة ملائكية، ومحاسن لا تتوفر فيه. كان حمدان قد بدأ أولى المهمات، وهي تقديمنا الى أهل الدار، والتعريف بأسمائنا وشخصياتنا واحداً واحداً، وما أن انتهى حتى تولى والد العروس مهمة مماثلة، وبعد أن هدأ الجو قليلاً، تحدث عم العروس، وهو الأكبر عمراً، رحّب بنا مجدداً، ثم قال عبارة مازلت أحفظ مضمونها، ومازالت راسخة في ذهني، ومفادها على النحو التالي [أنتم جماعة الأنبار كلكم على العين والراس.. إنتو أهلنا وعمامنا، ولكن الأخ عيسى الياسري صاحب خطوة، وصاحب حق علينا هو وأهل العمارة، وعليه فلا كلمه لأي واحد منا، القرار قراره، واللي يريده يصير، هو يؤمر وإحنه نطيع ونّفذْ]، وتصبب الياسري عرقاً، وارتبك وتلعثم فما يدري كيف يرد.. وكان الناس حقاً عند كلمتهم..
في عام 1991 عزم صديقي الفنان أحمد هاتف على الزواج من فتاة كربلائية، وقام بتشكيل وفد من أدباء العمارة يضم (عبد الرزاق المطلبي وعيسى الياسري وعبدعون الروضان)، وكانت المفاجأة ان يصرّ على حضوري ضمن تشكيلة الوفد التي تنتمي بكامل أعضائها الى “الإخوة العرب الشيعة”/ فرع ميسان، ولم أكن قادراً على رفض طلب لهذا الفتى الجميل الموشوم بالغرابة.. وفي كربلاء كنا موضع حفاوة كذلك، وتكرر مشهد الاستقبال والتعارف والحديثة بطريقة ذاتها [أهل ميسان على العين والراس، ولكن الأخ حسن العاني صاحب خطوة وصاحب حق علينا، هو وأهل الأنبار، وعليه فلا كلمه لنا، القرار قراره.. اللي يؤمر بي أحنه حاضرين] ولو لم يحدث لي ما حدث للياسري لطلبت منهم عدم الموافقة لأن الله خلق صديقي حرّاً فلماذا تستعبده امرأة.. وكان الناس عند كلمتهم..
وأنا أستذكر هاتين الحادثتين، فكرت بتشكيل وفد من وجهاء كربلاء والأنبار والعمارة، يخطبون ودّ (الكتل السياسية)، لعل هذا الوفد يكون صاحب خطوة عندها، فتتوقف اسطوانة السنّة والشيعة عن عزفها السخيف، وتعاود الأعراس سيرتها الجميلة من النجف الى سامراء، ومن الأعظمية الى الكوفة.. محفوفة بالزغاريد العراقية.. بغض النظر عن كوني أجهل معنى (صاحب خطوة)!!