شهد الراوي/
يلّي طعم المستحى على عيونكم
ويلي شوكي يذوب بين رموشكم..
عندما كنت صغيرة كنت أحدق كل مرة في عيون أمي وهي تسيح خجلاً أمام أي موضوع يخص المتزوجات ..
أطيل النظر والدهشة في آنٍ واحد وأنا أشاهدها وهي تذوب احمراراً من دون أن تردد ما تردده الأخريات وهي الأم لثلاث بنات ..!
كبرت وتحول إحساسي الى خجلٍ دائم وأنا استمع خفية الى محاوراتها مع صديقاتها المقربات وهن لايزلن في مواجهة مريبة مع هذا العالم، يقبلن كل مرة بنفس الدهشة والحياء حتى أن واحدة منهن كان صوتها يرتعد من الصدمة وهي تشرح كيف أنها شاهدت جرأة فتاة على طريقٍ عام ..!
علمت حينها لماذا هذا النوع من النسوة لا يكبرن، تجري الأنوثة الطاغية في ملامحهن جريان الأنهر المقدسة التي لا تتردد في إغداق الحلاوة والنعومة والكبرياء الملكي على صاحباتها ..
عندما كانت المرأة لا تشتكي كثيرا بصوتٍ عال كان الصمت يغزل الملايين من بتلات الورد الصبية داخل أعماقها، وعندما كانت تقابل الخيانة برحيل منزوع من العتاب والملامة كان انكسارها اللطيف يمسح جدران روحها بالمسك والعنبر والصبر المنقوع بالسحر .. فكانت في كل مرة تقضي على محاولات الإهانة بجبينٍ لامع ونظيف ..
عندما كانت تدرك جيداً وهي تعيش في عالم لا يحاصره اليوتيوب المحشو بفديوهات تطوير الذات، أن المرور بجانب المشاكل والكدرات من دون صراخ في الملامح حتى، يعني أن طاقة هذا الكون ستكنس عنها الكربات خجلاً واستحياءً من هيبتها السماوية ..
الى أمهاتنا اللواتي يعرفن جيداً طبيعة الصبر الذي يدعيه الكثير من دون معرفة حقيقية بماهيته ومسالكه وأشكاله أرجوكُن مارسنَه معنا، لا تيأسن من نصيحتنا ولا تشعرن أن الزمان لم يعد زمانكم نحن بأمس الحاجة الى طريق تستحي فيه النساء اللواتي لا يخجلن في الحق ولا ينسكبن على الطرقات انهزاماً ..
هذا الكون لم يعد يطيق كرنفالات إراقة الأنوثة في السنابات والانستغرامات وصور عرض الأجساد التي تشكو من خلو الروح ونغز التواري..
ولم يعد يحتمل كثرة الفضفضة لكل من هبّ ودبّ حتى عاد العالم يحدق بِنَا بكل ما يحمله من عري، يكشف لنا عن مساوئه من دون خجلٍ أو وجل عندما أصبحنا كلنا عبارة عن كائناتٍ مفضوحة بلا أسرار تلقي جمال سترها علينا
فنكبر بسرعة بعدها ونهرم..
الشباب: هو حصيلة البراءة التي أودعناها في أنفسنا
والموت: هو تدريب الروح على مجاملة النفس الأمّارة بكلمة “عادي”..