حسن العاني /
ويبدو، على رأي علماء الاجتماع ومنظري السياسة، أن الانتقال من مرحلة إلى مرحلة جديدة، كما هو حاصل بانتقال ابن القرية إلى المدينة، أو بعد الثورات والانقلابات الاجتماعية التي يشهدها العالم.. أقول: هذا الانتقال لايعني تجاوز المرحلة السابقة وآثارها مئة بالمئة، فهناك مساحة من القديم تبقى متمسكة بما نشأت عليه واعتادته.. أليس هذا -على سبيل المثال- ما حصل عند انطلاق الدعوة المحمدية لهجر الأوثان وعبادة واحد أحد؟
من هنا، تحتاج التحولات التاريخية إلى شيء من الصبر والانتظار حتى يتراجع (الماضي المألوف) شيئاً فشيئاً لصالح (الحاضر الغريب)، وذلك لن يتم بسهولة من دون العديد من الإصلاحات الحقيقية، التي تنعكس آثارها الإيجابية على الشارع وحياة الناس، وبخلاف ذلك يبقى القديم يمتلك الشيء الكثير من القوة للدفاع عن نفسه..
هذه الصورة هي على وجه الدقة ماحصل بعد (2003)، إذ لم يخرج العراق من إطارها، فقد أُريد للتغيير، على وفق المعلن، أن ينقل البلاد نقلة نوعية من مرحلة إلى مرحلة، وتحديداً من عهد الحزب الواحد والدكتاتورية وشعار(القائد الضرورة)، إلى عهد الانفتاح والديمقراطية والقيادة الجماعية وحرية التعبير والتبادل السلمي للسلطة، وإلى سلسلة من التبدلات الجوهرية في عموم الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية..
كان من الطبيعي جداً أن يتسرب الكثير من سلوكيات ومعالم المرحلة السابقة، وهي تخوض غمار معركة صريحة ومعلنة، حاولت الدفاع عبرها عن وجودها واستمرارها، وكان من الطبيعي –بالمقابل- أن يدافع النظام السياسي الجديد عن نفسه، وينسب أزمات الماء والسكن والفساد المالي والرشوة و… والمشكلات التي لا أول لها ولا آخر، إلى النظام السابق، وأنها من مخلفات المرحلة السابقة.
ويُلاحظ، في السياق نفسه، أن حكومات مابعد (2003)، بأنواعها ومسمياتها، كانت تتعهد للعراقيين بأنها ستضرب بيد من حديد كل من يحاول الوقوف في وجه الإصلاحات الجذرية والإنجازات الكبيرة، وستقضي على المظاهر السيئة التي خلفتها مرحلة الاضطهاد والمقابر الجماعية.. الخ.
نحن.. أعني الشعب العراقي، مع الصوت الجميل والرائع لمرحلة مابعد 2003، لكننا بصراحة لم نفهم، ومن أبسط حقوقنا الديمقراطية أن نفهم: لماذا لم يتم اجتثاث مصطلح “القائد الضرورة”؟ ولماذا أصبح لدينا بدل القائد الواحد..
إلى آخره؟!