صراع القديم والجديد

حسن العاني/

من الأمور المتعارف عليها أن السنة الأولى من الحياة الزوجية تكون حافلة بالمتاعب بين الزوجين، حتى لو كانت بينهما حكاية (قيس وليلى)، وغالباً ماتؤدي تلك المشكلات – وإن كانت تافهة – الى الانفصال. ويرجع علماء الاجتماع هذه الظاهرة الى التباينات التربوية والسلوكية بين الطرفين قبل الزواج..
إذ يدخل كل واحد منهما (القفص الذهبي) وهو ينتمي الى طباع وعادات تخصه هو ولاتخص الآخر بالضرورة.. وأحياناً تأخذ تلك التباينات صورة الخلاف الحاد الذي يزعزع الثقة ويثير النفور ويقود الى الطلاق.
ويبدو -على رأي علماء الاجتماع ومنظّري السياسة- أن الانتقال من مرحلة الى مرحلة جديدة، كما هو حاصل بانتقال ابن القرية الى المدينة، او على وجه الخصوص بعد الثورات والانقلابات الاجتماعية او السياسية التي يشهدها العالم.. أقول: هذا الانتقال لايعني تجاوز المرحلة السابقة وآثارها مئة بالمئة لصالح المرحلة الجديدة، فهناك مساحة من القديم تبقى متمسكة بما نشأت عليه واعتادته، بل وتقاتل بشتى السبل للحفاظ على (اعتيادها).. أليس هذا -على سبيل المثال- ما أقدم عليه الشعر العمودي بعد ظهور الشعر الحر؟ وما حصل عند انطلاق الدعوة المحمدية لهجر الأوثان وعبادة واحد أحد؟!
من هنا، تحتاج التحولات التاريخية الى شيء من الزمن والصبر والانتظار حتى يتراجع (الماضي المألوف) شيئاً فشيئاً لصالح (الحاضر الغريب)، وذلك لن يتم بسهولة من دون الإقناع عبر العمل الجاد، والعديد من الإصلاحات الحقيقية التي تنعكس آثارها الإيجابية على الشارع وعلى حياة الناس، وبخلاف ذلك يبقى القديم يملك الشيء الكثير من القوة للدفاع عن نفسه، وقد يعرقل -بهذا القدر أو ذاك- مسيرة الجديد..
هذه الصورة التي حاولنا تقريبها هي على وجه الدقة ماحصل بعد (2003)، إذ لم يخرج العراق من إطارها، فقد أُريد للتغيير -على وفق المعلن- أن ينقل البلاد نقلة نوعية من مرحلة الى مرحلة، وتحديداً من عهد الحزب الواحد والدكتاتورية وشعار (القائد الضرورة)، الى عهد الانفتاح والديمقراطية والقيادة الجماعية وحرية التعبير والتبادل السلمي للسلطة.. والى سلسلة من التبدلات الجوهرية في عموم الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية، لاتبدأ بلقمة العيش ولاتنتهي بالأصابع البنفسجية…
كان من الطبيعي -بل والطبيعي جداً- أن يتسرب الكثير من سلوكيات ومعالم المرحلة السابقة وهي تخوض غمار معركة صريحة ومعلنة، حاولت الدفاع عبرها عن وجودها واستمرارها، وكان من الطبيعي بالمقابل أن يدافع النظام السياسي الجديد عن نفسه، فينسب أزمات الماء والسكن والفساد المالي والرشوة و.. والمشكلات التي لا أول لها ولا آخر مع دول الجوار ومع معظم دول العالم.. وسيادة نظرية المؤامرة و.. وقائمة طويلة من الملاحظات والمظاهر السلبية.. أقول: كان النظام السياسي الجديد ينسب تلك الصور القاتمة جميعها الى النظام السابق، وأنها من مخلفات المرحلة السابقة.. ويُلاحظ، في السياق نفسه، أن حكومات مابعد (2003) بأنواعها ومسمياتها، كانت تتعهد للعراقيين بأنها ستضرب بيد من حديد كل من يحاول الوقوف في وجه الإصلاحات الجذرية والإنجازات الكبيرة، وستقضي على المظاهر السيئة التي خلفتها مرحلة الاضطهاد والمقابر الجماعية.. الخ
نحن.. أعني الشعب العراقي.. مع الصوت الجميل والرائع لمرحلة مابعد 2003، لكننا بصراحة لم نفهم، ومن أبسط حقوقنا الديمقراطية أن نفهم، لماذا لم يتم اجتثاث مصطلح “القائد الضرورة “؟ ولماذا أصبح لدينا بدل القائد الواحد ألف قائد؟!