صناعة العنوان

كاظم حسوني/

يحتل العنوان اهتماماً خاصاً لا يقل عن الإبداع ذاته لدى الأدباء والكتّاب، وذلك ليس جديداً إنما بدا مصاحباً مع تتابع موجة الترجمات للأدب العالمي في الستينات، لينعكس بقوة على النتاج الشعري والقصصي العراقي آنذاك. وفي وقتنا الراهن تزايد الاهتمام بشأن العنوان، وغدت تطالعنا دراسات وبحوث تتعلق باختيار العنوان وطبيعة علاقته بالثيمة الرئيسة ومتن النص، او بوحداته وعناصره، منها كتاب القاص الراحل محمود عبد الوهاب (ثريا النص)، بما ينبغي ان يختزن من دلالات وايحاءات ومرموزات من شأنها تعميق الموضوع ومنحه ابعاداً متعددة، اذ لابد له من أن يجتذب ويستفز ويستوقف القارئ، ما يدعو الأديب الى الاجتهاد والتمهل طويلاً للعثور على ماهو مناسب. وتبعاً لذلك غدا العنوان يأخذ موقعاً مركزياً في اعتلاء فضاء النص، ويمارس حضوراً وهمينة في المنجز الإبداعي، وقد وصفه (جاك دريدا) بـ(ثريا النص)، وتحدث الروائي الايطالي (أمبرتو إيكو) في روايته الشهيرة (اسم الوردة) بأنه تخلى عن عنوانين أولهما (دير الجريمة) بسبب ما يوحيه حسب (ايكو) من حبكة بوليسية، وثانيهما (ادسود وملك) وهو اسم الشخصية الرئيسة لروايته، لكنه اختار (اسم الوردة) عنواناً لروايته لما يمنحه من ايحاءات متعددة، وتضليل القراء وجعلهم عاجزين عن التوصل الى تأويل وحيد لها، انسجاماً مع ما أراد لها مؤلفها أن يجعلها عملاً مفتوحاً للإيحاءات والتأويلات، فالعنوان عند (ايكو) وظيفته أن يشوش الأفكار، لا أن يوحدها.. وفي المحصلة ليست ثمة قواعد او طرائق معينة لاختيار العنوان اذ يتعلق الأمر، اولاً وأخيراً، بحساسية الكاتب وقوة مخيلته في ابتكار عنوانات دالّة او مثيرة وموحية.

وفي الأدب ثمة عناوين احتلت مخيلتنا وظلت حاضرة في أذهاننا رغم تقادم الزمن على قراءتها، عناوين ما إن يشار اليها حتى تستعيد بلمحة أجواءها وشخصياتها بفعل الإيحاء، من قبيل (دون كيشوت) (مدام بوفاري) (الصخب والعنف) (أنشودة المطر)، وغيرها الكثير من روائع الأدب والفن. لكننا نطالع، من جانب آخر، عناوين تعتلي إصدارات الكثير من منجز أدبائنا لا تحمل أية قيمة جمالية او إبداعية، وليست لها صلة بالنص، هكذا اختيرت بعجالة وعشوائية من دون أدنى عناية بالمتن القصصي أو الشعري، متناسين أن العنوان صناعة أيضاً .. كالإبداع.