عبد الله صخي/
أحسب أن الجائزة الأدبية التي استحدثتها الكويت والخاصة بالقصة العربية القصيرة هي محاولة مخلصة لإحياء هذا الفن الاستثنائي الذي انحسر الاهتمام به بشكل ملحوظ من قبل الكتّاب والقراء على حد سواء. لقد تراجع الاهتمام بالقصة القصيرة أمام زحف الرواية الكاسح، وكأن الفضاء السردي الروائي أصبح بديلاً لفضاء القصة القصيرة، ليس في الأدب العربي فقط إنما في الآداب الأجنبية أيضاً. من هنا أستجيب لصرخة الصحفي البريطاني سيباستيان شكسبير التي تساءل فيها حول السر المحيّر وراء خلو لائحة الكتب الأكثر مبيعاً في المملكة المتحدة من أية مجموعة قصصية. القصة القصيرة تمر بمرحلة ركود غريبة، وبعض النقاد والقراء بدأوا ينظرون إليها باعتبارها رافداً ثانوياً للأدب، فيما الرواية تتصدر واجهات المكتبات. يروي سيباستيان في مقال نشره في صحيفة (إيفيننغ ستاندر) بعنوان «فلتحيا القصة القصيرة» أن الكاتب جيمس بالارد (مؤلف رواية امبراطورية الشمس) اشتكى، قبل وفاته، من تراجع دور النشر عن الاهتمام بهذا النوع من الأدب. وناشد الصحفي القراء قائلاً «إذا لم يكن لديكم الوقت والصبر لقراءة رواية مثل (الحرب والسلام) لتولستوي فأقرأوا بورخيس، إن قصصه تعكس سحر الحياة».. وإذا كانت دور النشر سبباً في تراجع الاهتمام بتقديم نتاجات القصة القصيرة للقراء كونها غير مربحة كما يؤكد بعض أصحاب تلك الدور فأعتقد أن الرواية نفسها بزخمها الهائل وسعة تداولها والجوائز التي خصصت لها، سبب مضاف لأزمة انكفاء القصة القصيرة للحد الذي يمكن اعتبار القصة القصيرة ضحية للرواية. وما يبعث على الأسف حقاً هو أن التراجع استمر حتى مع منح جائزة نوبل عام 2013 لكاتبة قصص قصيرة هي الكندية أليس مونرو.
وإذ أتمنى الفوز للكتّاب العراقيين المساهمين في مسابقة جائزة الملتقى للقصة القصيرة العربية في الكويت، إلا أني أعتبر مجرد اشتراكهم أمراً يسهم في لفت الانتباه إلى أهمية القصة القصيرة في حياتنا كفن بالغ الدقة والحساسية والصعوبة، فن وصفه ميشال بوتور بأنه «أحد المقومات الأساسية لإدراك الحقيقة». كما أني أنظر إلى تلك المشاركة بوصفها انتصاراً للقصة العراقية التي تألقت منذ خمسينات القرن المنصرم على يد كتّاب متميزين أذكر منهم، في سبيل المثال لا الحصر، ذنون أيوب، إدمون صبري، غائب طعمة فرمان، عبد الملك نوري، فؤاد التكرلي، محمد خضير، جمعة اللامي، جليل القيسي، فهد الأسدي، عائد خصباك، وغيرهم كثيرون.