حسن العاني/
لعلّ تطرف المناخ العراقي، حرّاً وبرداً وشحّة مطر، كان له تأثيره الواضح على مزاج الناس، غضب وانفعال ونرفزة وشيء من حدة الطبع. ولكن التأثير الأعظم لهذا المناخ على العراقيين، هو أنه أكسبهم تطرّفاً في الكرم والضيافة والحزن والفرح والمواقف الرجولية..
ظنّ بعضهم، وبعض الظن إثم، أن الشخصية العراقية مجبولة من طينة عابسة، لا تعرف المزاح ولا تجيد الابتسامة، لأن سرعة الانفعال تطغى عليها. وأعتقد جازماً، أن هذا الرأي يتعارض مع وقائع الحياة اليومية، وإلا من يستطيع التفكير بالعلّامة الراحل الدكتور مصطفى جواد، خارج هموم التاريخ والآثار واللغة والتدريس الجامعي، ومع ذلك كانت روح الطرفة جاهزة على طرف لسانه وفي سلوكه. ويُروى، فيما يروى عنه، أنه كان ذات مرة، يملأ استمارة معلومات وظيفية خاصة بالاسم الثلاثي واللقب والتحصيل العلمي وتاريخ أول تعيين والحالة الاجتماعية.. ومن بين تلك الأسئلة سؤال على النحو التالي (هل الزوجة على قيد الحياة؟)، فكتب رحمه الله (نعم.. هي حيّةٌ تسعى)!!
عندما قام عدي (نجل الرئيس السابق) بقتل (حنّا كامل)، طباخ والده، صدر بيان رسمي من الحكومة، حاول بصورة إيحائية، إعطاء مسوّغ أو عذر لجريمة عدي، وذلك بوصف القتيل، أنه يتعاطى الكحول (المشروبات الكحولية)، وأنه سكّير، وتصدر عن السكّير أحياناً تصرفات توجب (القتل)!! وقد فاجأني الزميل الصحفي رائد محسن حسين (أبو علاء) في اليوم الثاني لصدور البيان بهذه العبارة الساخرة التي تنمّ عن قدرٍ عالٍ من الكوميديا السوداء “هل تعرف بأن الشعب العراقي كله لا يتعاطى الخمرة باستثناء حنّا كامل، ولذلك قتله عدي”!!
هذا هو الشعب العراقي، بديهة حاضرة، واستجابة سريعة لعمل الطرفة وابتكارها. ولكن أحداً من الباحثين مع الأسف لم يتصدَّ لدراسة الروح الشعبي المرح، وتدوين آلاف النكات والمزح والطرائف. ومعروف، لدى الجميع، أن (النكات السياسية) التي أنتجها الشارع العراقي بعد الحرب العراقية-الإيرانية، وبعد غزو الكويت والحصار، أكثر من أن تحصى، وهي في معظمها لاذعة وذكية ومعبرة عن متاعب الناس.
لم تتغير طبيعة هذه الشخصية بالتأكيد بعد الاحتلال، ففي وقت مبكر من عام 2003، وما شهده العراق من انفلات أمني وحواسم وفوضى في امتلاك السلاح، تداولتِ الناسُ طرفةً مفادها أن عراقياً كان يقود مركبته في الصحراء، حين صادف قائداً أميركياً ظلّ الطريق، وقد توقف العراقي واصطحبه معه، وفيما كانا يواصلان السير، لاحت عن بعد عصابة، فتوقف السائق وقال “لو كان معي سلاح لواصلت الطريق”، فابتسم القائد الأميركي، وفتح حقيبته وأخرج منها (مصباح علاء الدين) ودعكه، فقال له الأميركي “أريد مسدساً ومئة إطلاقة لهذا الرجل العراقي”، وما هي إلا رمشة عين، حتى حضر المسدس ومعه الإطلاقات… إلا أن المواجهة مع العصابة لم تحدث، حيث اتضح أن العصابة ما هي إلا مجموعة رعاة، ولأن المصباح أغوى العراقي وأذهله وأغراه، فقد سأل الأميركي”هل تبيعه؟!”، فردّ عليه “نعم.. أعطني المركبة وخذ المصباح.. وأنت الرابح!”، قال العراقي “ولكنني لا أمتلك غيرها، فهي مصدر عملي ورزق عيالي”، إلا أن القائد أصر على موقفه، ما اضطر العراقي إلى القبول تحت تأثير الإغراء الكبير. وهكذا تمت المقايضة، وتسلم الأميركي المركبة وانطلق بها مسرعاً، وتسلم العراقي المصباح ودعكه في الحال، وعندما ظهر المارد قال له “أريد مركبة حديثة”، فردّ عليه “آسف سيدي، فأنا مختص بإحضار الأسلحة فقط!!”.. عندي خزين من النكات التي تم إنتاجها طوال الـ 14سنة الماضية، ولكنها غير صالحة للنشر، لأسباب تتعلق برحابة الصدر!!