علاء هادي الحطاب /
أحد أهم أهداف الزواج هو الاستقرار الاجتماعي المؤدي إلى الاستقرار النفسي، وإيجاد مناخات سليمة لمعيشة الأفراد وفق أهداف مرسومة لمستقبلهم وواقعهم. فالأفراد المتزوجون يفكرون دوماً بهدفين أساسيين، أولهما إيجاد حياة هانئة لحياتهم الزوجية وأطفالهم، وثانيهما بمستقبلهم وتطوير قدراتهم وقدرات أبنائهم المهنية والحرفية والدراسية والمادية. لذا يبقى الزوجان في تفكير واشتغال دائمين لتطوير حياتهم نحو الأفضل وبناء عائلة بالشكل الذي يطمحون إليه.
في المقابل، هناك حالات زواج لم تُوفق لتنتهي بالطلاق، وهذه حالة طبيعية، لكنها حتماً تمثل الحالة الاستثناء وليست القاعدة، إذ أن القاعدة هي استمرار الزواج وتطور حياة الزوجين.
ما يحصل في السنوات الأخيرة أمر يدعو إلى القلق، بل الخوف، بسبب ازدياد حالات الطلاق بشكل حاد يمثل قاعدة وليس استثناءً، فقد تجاوزت حالات الطلاق الحد المعقول عقلاً والمقبول عرفاً، إذ بلغت حالات الطلاق في العراق، وبحسب إحصاءات رسمية لموقع مجلس القضاء الأعلى، ارتفاعاً غير مسبوق في تأريخ البلاد، وربما المنطقة برمتها، فقد سجلت المحاكم العراقية خلال نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي 8245 طلاقاً، ، ما يمثل 11 طلاقاً كلّ ساعة، وما يعني أنّ العدد ازداد بمقدار 3181طلاقاً بالمقارنة مع الشهر نفسه عام 2019، حين سجل 5064 طلاقاً.
المشكلة أن أغلب حالات الطلاق تتم عند زوجين حديثي الزواج، وعادة لا تتجاوز أعمارهم العشرين عاماً، وهذا مؤشر خطير جداً لمآلات مستقبل المجتمع العراقي، إذ أن قضية الطلاق لا تتوقف فقط عند حالة الانفصال، بل تكمن مشكلته الأبرز في ما بعد الانفصال بالنسبة للرجل والمرأة، والأخيرة بشكل أخص هي المتضرر الأكبر من هذا الانفصال، وحتماً يزداد هذا الضرر إذا كان لديها أطفال.
مشكلات ما بعد الطلاق متعددة لا تتوقف فقط على نشوء خلاف عائلي شبه مستدام بين طرفي الزواج، الرجل والمرأة، ولا بنظرة المجتمع إلى المرأة المطلّقة، التي يعد أقرب الناس إليها أنها أصبحت “عالة” عليهم، وما يتركه هذا الفهم من أثر بالغ في نفسيتها يتمظهر في علاقتها مع أهلها ومحيطها والمجتمع الذي يصور لها أنها باتت منكسرة بكل المقاييس، وأن معالجة هذا الانكسار دون زواج ثانٍ ناجح، مهمة تبدو شبه مستحيلة في مجتمعاتنا.
البحث في أسباب ازدياد حالات الطلاق في السنوات الأخيرة يحتاج مساحة أوسع جداً من مقال، لكننا هنا نحاول لفت الانتباه والتحذير من مخاطر اجتماعية محدقة بدأنا نتلمس آثارها اجتماعياً في مجالات عديدة، وسنلمس آثارها مستقبلاً عند نشأة “جيل” المطلقين، أي أولادهم الذين لم يتلقوا رعاية أبوية كاملة. فلابد من رعاية تامة لهذا الملف من قبل كل المؤسسات الحكومية وغير الحكومية لأننا إن لم نتدارك الأمر فستصبح حالات الطلاق أكثر من حالات الزواج، وسيصبح الطلاق قاعدة، فيما استمرار الزواج هو الاستثناء.