محسن ابراهيم/
مسرح مقفر قبل غيابه، فكيف بعد رحيله, الكبار لايرحلون إنما يتركون آثارا لهم تستدل بها أجيال قادمة, يوسف العاني الذي أغنى المسرح كتابة وتمثيلا ، جعل من الخشبة مدرسة ومن المسرح منهجا يعالج هموم ومعاناة الفئات المسحوقة من المجتمع العراقي، فضلا عن أسلوبه النقدي والساخر في تناول الموضوعات. للعاني فضل كبير في حداثة المسرح العراقي، تمثيلاً واخراجا وتأليفا واقتباسا. ومن خلال تأسيسه لفرقة الفن الحديث أطلق مواهب فنية وقامات كبيرة، وكتب أكثر من خمسين مسرحية وشارك في العديد من الأعمال السينمائية والتلفزيونية أبرزها سعيد افندي واليوم السادس وعبود يغني وبلابل تلفزيونيا, بعد تاريخ طويل موغل بالعطاء بقي العاني مسجى على سريره في صمت مهيب، يتكيء بمرفقيه على تاريخ طويل غارقا بين أوراقه المبعثرة وعينيه مفتوحتين على خشبة المسرح، وهو يعيد مشهد صورة طالما احبها، فتهاوى الجسد كورقة خريف وذكرياته تنزلق من يديه مذعورة وظله يرنو اليه بدهشة, فعبود لن يغني ثانية ويردد (الغناء في مأتم الأحياء لايطرب الموتى)، اغمض العينين وهام في عمق مسرح الحياة، اشياؤه، تلامذته، تاريخه الفني، يوسف العاني كان هنا يرسم على خارطة الفن لوحة دافئة. من المسرح كانت البداية والنهاية. وقبل الرحيل ردد أحد مشاهده في حضرة الموت باللهجة العراقية.
«(تركوني أعيش بقية عمري هنا بالمستشفى، بديت أحس أكو تناقض بيني وبين العالم الخارجي، تناقض مخيف مرعب، هذا العالم الخارجي اللي الأخ يرفع مسدسه بوجه إخوته، خلوني، شكرا إلكم كل بيوتكم هي بيوتي بس آني عشت على قيم غير هاي القيم وإذا أجي وأعيش على قيم أخرى أتحطم، وبصراحة أحسن بيت إللي أسكن فيه هو القبر.!!)