محسن إبراهيم/
العفويّة في حد ذاتها ليست صفة سيئة، بل العكس، فمن يتحلى بهذه الصفة تجده إنساناً تلقائياً في كلامه وتصرفاته، حيث أنه بسبب عفويته تظهر ردة فعله مباشرة, تصرفاته, تفكيره، فالإنسان العفوي هو من نطلق عليه الجملة العاميّة التي تقول”اللي بقلبه على لسانه”.
في إحدى الحوارات الصحفية تكلم عازف الكمان المعروف فالح حسن بعفوية وتلقائية عن بداية مشواره الفني يصف خطوته الأولى وعلاقته بالفنان حضيري أبو عزيز الذي كان صديقاً لوالده وحالة الخوف التي انتابته حين وقف لأول مرة أمام “أبو عزيز” الذي بادره بالكلام وبعفوية الجنوبي المحببة “انت تعرف أدك”؟.أجابه فالح “إي أعرف”، جا دكنا شويه. وبعد أن عزف فالح أعجب حضيري به وطالبه بالحضور الى أحد المقاهي التي يجتمع فيها الفنانون، وما أن ابتدأ فالح بالعزف حتى نال استحسان الجميع. وحين طلب منه أن يعزف في برنامج ركن الريف اشترط أن يكون رئيساً للفرقة. ومن حينها بات فالح حسن هو العازف الأول لأغلب المطربين وبأجر ( دينار واحد) وهو أعلى أجر بين جميع العازفين آنذاك. ومنذ ذلك الحين شكل فالح حزب العازفين وشجعهم على المطالبة بأجورهم. شخص عفوي قد لايمتلك من الثقافة الا الشيء البسيط، استطاع أن يفرض على كبار المطربين مايجول بخاطره بعيداً عن التنظير وإقامة الندوات والتحشيد, لكنه يمتلك مستوى الوعي والإلمام بموهبته التي تتطلب أول ما تتطلب تأنياً واستيعاباً وسعة صدر واتساع بصيرة. مايجري الآن في الوسط الفني من تحشيد ضد شخص أو ظاهرة وتسليط الضوء عليها من دون أن تكون هنالك بدائل ترصد إمكانات الساحة بالدرجة الأولى وتحاول النفاذ الى ما يمكن أن يكون بديلاً لانتشالها من حال الضعف والوهن. وأعتقد أنه اذا ما استمر الحال على ما هو عليه، بهذا الكم الهائل من المنظرين الذين لا يجيدون سوى النعي، فستتحول هذه الساحة الى مجموعة من المصابين بوهم العظمة والذين لا يعلى عليهم في كل ما يصدر عنهم من قول أو فعل، وهو أمر أشبه بمحاولة إدراك كل ما لا يمكن إدراك شيء منه.