فرح يذيب المعادن!

شهد الراوي/

في تمرين نفسي شاهدته صدفة في إحدى القنوات البريطانية، كانت هناك تجربة لقياس أكثر لحظاتك الشخصية سعادة في حياتك..

وكانت التجربة تتلخص في أن تمسك ملعقة معدنية وتحاول تذكر اللحظة السعيدة بكل شعورها الأصلي الزاخر بالعاطفة بينما تحاول طَي الملعقة مع لحظة التذكر تلك، لتلاحظ بعدها استجابة الملعقة الى التدفق الشعوري داخلك حتى تنطوي فجأة بين كفيك كالمطاط ..!

شخصياً حاولت أن أجرب هذه التجربة التي فشلت مع اللحظات التي كنت أظنها سعيدة في حياتي..

لأكتشف بعدها أن السعادات التي تأتي مرتبطة بأشخاص يتحكمون في مشاعرك واتجاهات مزاجك اليومي هي غالباً ما تكون مبتورة وملك خاص للحظة الفائتة لا للزمن الممدد..

وعندما جربت أن أتذكر لحظة فوز المنتخب العراقي على نظيره السعودي في كأس آسيا عام ٢٠٠٧ تكومت الملعقة بين يدي لتتحول الى شكل هندسي غريب وغير مطروق ..

حينها علمت أن السعادات الحقيقية هي تلك التي تحصي فيها أكبر عدد من الوجوه المبتهجة، هي الروح الجماعية التي تتوهج لتحتفي بهدف سام لا ينقر على فردانيتك فحسب، بل يمزج روح الفرد الخالصة مع الكتلة المتينة التي تعبر عن فرحتها لسبب عام إلا أنه يخص الجميع ..!

وفي هذه اللحظة وبعد معاناة كبيرة، أغدقنا فيها من الحسرات ما جعلت أفراحنا الشخصية أفراحاً خجولة ومضطربة، وبعد الشعور العميق بالذنب مع كل لحظة مارسنا فيها ضحكاتنا بطفولة ونحن نملك أخطر سرطان بشري يمشي في عروق الوطن، وبعد أن تحولت دموعنا الى غيمات مؤجلة قابلة للذوبان في أي لحظة أمام أخبار استشهاد من ضحوا بشبابهم ويومياتهم، ضحكاتهم وأحلامهم البسيطة من أجل هذه اللحظة القادرة على إذابة كل المعادن والأسلحة التي واجهناها ببسالة وحزن، بأغانٍ وعويل، بجدال وترقب.. تأتي هذه اللحظة وهي اللحظة السعيدة والجديدة التي بمقدورها أن تتحول الى زمن ممدد، وتاريخ طويل نتذكره فتنطوي بين أيدينا ذكريات الأيام الحزينة..

الرحمة لشهدائنا الأبطال قرة العين وارتعاشة القلب، الرجال السمر الغيارى الذين نهدي لهم هذا النصر العظيم..
ونقول لهم: لقد تحررت نينوى هل تسمعونا

هل تصل أصواتنا المتشققة الى بيوتكم في النعيم ؟

– ماذا تقولين؟

-أقول لقد تحررت أم الربيعين… لقد تحررت.