فصل في الجحيم

د. حسن عبد راضي /

“ورأيت في السماء بحراً من اللهب والدخان، وعلى يميني ويساري، الخيراتُ جميعاً تحترق وتُهدّد كألف مليون رعد”
تبدو عبارة رامبو في أعلاه التي كتبها في كتابه الأشهر “فصل في الجحيم” كأنها شهادة أحد الناجين من جحيم ابن الخطيب، فلقد أصبح ذلك المكان “حرفياً” بحراً لُجّياً من الدخان واللهب والموت، جحيم يتلظى فيلتَهِم كلَّ من حوله وقربه وبين ظهرانيه من الناس الذين جاؤوا آملين أن يجدوا منجىً من موت الوباء، لكن فاتهم أن موتاً آخر كان يتربص بهم، سببه وباء أشد فتكاً تمكّن من جسد العراق وتفشى فيه أسوأ مما يتفشى ورم خبيث أو “غانغرينا” هو وباء الفساد.
كانت الحاجة أم مؤيد وولدها مؤيد وابنتها قد وثقوا بالنظام الصحي كثيراً، حتى أنهم حين وجدوا إصابتهم بالفايروس مؤكدة، أسلموا قيادهم للطب، مهنة الملائكة الرحماء، لتوفر لهم العلاج اللازم، وإن استلزم الأمر، فسيكون الأوكسجين متاحاً لهم إذا ضاقت صدورهم وشحّ فيها الهواء، فما الذي حدث لينقلب المكان الذي طلبوا فيه الحياة وتمسكوا بأسبابها يُغدق عليهم بالموت والفواجع؟ لماذا تستمر المآسي ولا يظهر مسؤول واحد له جبين يندى خجلاً، يَحمِل بين يديه استقالة حقيقية لا استعراضية، فيقول للناس معتذراً: أنا سبب ما جرى، وأتحمل المسؤولية عن تقصيري؟
لقد حمل مؤيد الغيور والدته على ظهره، بينما كانت شقيقته تتقدمهم للبحث عن مخرج من ذلك الجحيم، وقد استطاعت أن تجد نافذة وتقفز منها، لكن سحب اللهب والدخان حالت بينها وبين والدتها وأخيها، لقد ضاعا هناك في متاهة الموت والفجيعة، ولم يجداً مخرج الطوارئ حتى اللحظة، لأنه – حسب تقرير الدفاع المدني- لم يكن ثمة مخرج أصلاً في المستشفى، كان مصمماً ليكون فرناً كبيراً لشواء الضحايا عند أي شرارة محتملة، ولم يكن هذا ليقلق أي مسؤول، لأنهم اعتادوا أن تحصل الكوارث من جراء فشلهم وفسادهم، ويكون رد فعلهم بينما يدخنون أراكيلهم في أمسيات من الدعة الخالصة: أوبسسسس.. لقد نسينا أن نضع للمكان مخارج طوارئ.
يا إلهي كيف يتحول سبب الحياة (الأوكسجين) إلى سبب للموت؟ ومن يَضمن لنا عدم تكرار جحيم ابن الخطيب في مكان آخر، ما دام الفاسدون صامدين في مناصبهم ملتصقين بكراسي السلطة، تحميهم أحزابهم من الشر والعين والمساءلة والاستجواب والطرد، وتبخرهم بالحرمل، وتضع لكل واحد منهم أم سبع عيون درءاً للحسد.
اللهم بحق الأرواح الطاهرة التي صعدت إليك صارخة شاكية ظلمهم وبطونهم التي لا تمتلئ أبداً، احكم بيننا وبينهم، وأنت أحكم الحاكمين.