عامر بدر حسون /
ماحصل في تشرين، على يد الشباب من الجيل الجديد، له جانب اجتماعي ونفسي لا يستهان به، وربما كانت المطالب والشعارات السياسية هي الغطاء غير المعلن أو غير الواعي له.. ولعله حجّة مقبولة في عالمنا للتعبير عن أشياء أخَر. وهنا وقفة تحاول فهم قوة الغضب والرفض التي رافقت التظاهرات الشبابية.
***
ينبغي القول أولاً أن هذا الجيل من الشباب لم يجد في الجيل الذي سبقه قدوة يمكنه الاقتداء بها باطمئنان، ولم يجد أمامه تجربة يمكنه اللجوء إليها في المشكلات التي تواجهه.
هو لم يجد في المثقف أو رجل الدين أو شيخ العشيرة أو رجل السياسة، بل وحتى في صورة الأب، إلا الصورة المشوّهة للثقافة والدين والسياسة والروابط العائلية والاجتماعية.
لقد رآهم يسرقون ويقتلون ويتملقون ويغيّرون مواقفهم ويبلعون كلماتهم ووعودهم بسهولة ودون حياء!
بل أن هذا الشاب ربما شاركهم، بإرادته أو مأخوذاً، لمرّات، في القتل والسرقة والتقلب في المواقف والأفعال الجيدة والسيئة.. لكنه رغم ذلك لم يشعر بالراحة والانسجام الداخلي والاطمئنان في أعماقه.. فعاش في النهاية حالة تَمزق واضطراب داخلي عنيف وعميق ومدمر.
***
والواقع أن الشباب في مرحلة من عمرهم يميلون إلى البحث عن القيم السامية والمُثل العليا وإلى التضحية حدّ البحث عن قضية يموتون من أجلها (دينية أو سياسية او اجتماعية).
لكنهم، وإذ يعودون في الليل الى خلوتهم مع الأب الجديد والمرشد الروحي العظيم والمعلم الأكبر (وأعني به غوغل والإنترنيت عموماً وما أتاحه لهم من معرفة وقيم ومشاعر وعلاقات وقدرة على التعبير عن الذات والتواصل مع بيئات مختلفة عنهم او تشابههم) يجدون أن الدنيا غير الدنيا وأنهم محبوسون في مجتمع منافق يقول أصحابه شيئاً ويفعلون عكسه، فيزداد الصراع في دواخلهم عنفاً وتدميراً.. ويزدادون غضباً على المجتمع ويتمنون، وهذا أمر طبيعي حد البداهة، لو أنهم يساهمون في تدميره لأنه ميؤوس من إصلاحه!
لهذا تبدو تظاهرات الجيل الجديد صاخبة، بل ويمكن استخدام هذه الروح الوثّابة عند الشباب من أية جهة تريد إشاعة الدمار والفوضى.
إنهم في الأعماق السحيقة من روحهم المضطربة والمعذبة لا يحترمون رموزه التي يقدسها المجتمع والتي يقدسونها هم نهاراً فيتمنون لو ينهار هذا المعبد على من فيه!
***
الشباب اليوم في هذه المرحلة من الوعي والفعل فحسب، وهم لن يتجاوزوها بسهولة وسرعة.. فهم بانتظار المدد من أجيال، أصغر منهم ربما، ما داموا قد فقدوا الأمل في وصول شيء ممن سبقهم.
لا يعرفون ما يريدون بالضبط!
لكنهم يعرفون أنهم في حالة غضب وضياع وتمزق بين قيم قديمة وبائسة لكنها سائدة، وبين قيم راقية حد المثالية لكنها لم تترسخ أو لما تولد بعد.
إنهم يعرفون ما لا يريدونه وهذا هو الأمر المؤكد، وقد تحركوا للتعبير عن رفضهم له.
لكنهم، من جهة أخرى، لا يعرفون ما يريدون بالضبط! وهذا هو الوضع الطبيعي في المسيرة البشرية.
رغم ذلك أعرف أنهم سيصلون!