أحمد عبد الحسين/
“مهرجان المربد الشعريّ عظيم لولا الشعر”.. هذه المزحة التي يطلقها الأصدقاء في كلّ مربد لم تعدْ مزحة تماماً. فقد أصبح من علائم نجاح هذا المهرجان كونه كرنفالاً احتفالياً وفرصة ليلتقي الشعراء مع بعضهم البعض وجهاً لوجه. أما الشعر فهو آخر همّ الشعراء، لأنه دائماً وأبداً النقطة التي تجتذب الانتقادات للمهرجان من كلّ حدب وصوب.
كثرة عدد الشعراء المشتركين في كلّ جلسة، طول قصائد كثير من الشعراء، الصخب الذي يخلقه جمهور ضجر من الشعر في المقاعد الخلفية، اعتراض العموديين على قصائد نثر تتشبّه بالشعر، يقابله اعتراض شعراء النثر على قصائد عمودية تقليدية. حشرُ أسماء غير متناغمة فنياً في أصبوحة أو أمسية واحدة، هذه كلّها وغيرها كثير مما يأتي به شعر المربد كلّ عامٍ من “خصائص” أصبحتْ هي فولكلور هذا المحفل منذ زمن بعيد.
غير أن مربد هذه العام كان مختلفاً نوعاً ما، خفّ برمُ الشعراء بعدم جودة سكنهم، الجلسات النقدية المصاحبة للقراءات أكثر فاعلية وفائدة، اختيار المدعوين العرب والأجانب أقلّ عشوائية واعتباطية.. وباختصار كان مربد هذا العام الأكثر هدوءاً من بين المرابد التي حضرتها وهي كثيرة.
كيفما كان رأينا بالمربد، يظلّ فرصةً للتعرّف على الشعر العراقيّ، ففيه تجد أبرز أسمائه وأهم تجاربه، وتتاح لك فرصة اكتشاف من لم تسعفك مقاديرك بقراءة نتاجه، ومحاورة من قرأته ولم تلتقه من قبلُ، وهذا الأمر لوحده مكسبٌ يجعل من المربد ضرورة.
لكنّ للمربد وجهاً آخر أكثر حميمية وقرباً من الوجدان، الوجه غير الرسميّ له، ففي مقطورات القطار الذاهب للبصرة أو العائد إلى بغداد، كما في غرف الفنادق، عُقدت جلسات شعرية عفوية كان الشعر حاضرأً فيها من دون مايكرفون ونقل مباشر، ومن دون صخب الضجرين أو هتافات المطيبين.
هذه الجلسات هي روح المربد كلّ عام ومن أجلها نستطيع احتمال أن نكون جزءاً من فولكلور نذمّه جميعاً ونتوجه إليه بالنقد، ونوطّن أنفسنا أن لا نعود إليه، لكنّا نعود .. دائماً نعود فهو مربدنا.