جمعة اللامي /
“الفن هو الذي يجسّد الجمال، ويعطيه شكلاً نفهمه به”
(تولستوي)
يعرف متابعو روايات الكونت الروسي تولستوي أن رجلاً روسيًّاً حصل على حكم قضائي في موسكو سنة 1913، يقضي بإحراق أوراق الروائي الروسي الأشهر: ليو تولستوي. وتمّ له ذلك فعلاً. وها هو أكثر من قرن مرّ على ذلك الحكم الشنيع، وقبله سقطت الإمبراطورية الروسية، وبعدها سقطت إمبراطورية الحزب الواحد، وبقي تولستوي برواياته وأفكاره الإنسانية.. وربما بأشواقه الإسلامية!
ولا أحسب أن تولستوي، وهو المولع بالفنون الجميلة، سمع بشابة إيطالية تدعى “اليارا سيادا”، المولودة في تونس لأم صقلية وأب إيطالي. ولا أحسب أن كاتب رواية القرون “الحرب والسلام” يعرف أن اليارا، ذات الـ” 23″، تشبه ابنة وطنها كلوديا كاردنيالي، التي مرّت بالدم العربي، أو مرّ بها الخَشمُ العربي، فهي خنساء قليلاً!
ولم يعرف تولستوي أي شيء عن “القطار الأسود” ، الذي دخل فضاء “الفن العراقي” من أوسع أبوابه العائلية (…) ، بينما يقول الذين تابعوا التاريخ العائلي لتولستوي، أنه خرج باكياً من غرفة مكتبه، فعرفت إحدى بناته أنه أنهى كتابة روايته الشهيرة: “أنّا كارنينّا”.
نهاية رواية “أنّا كارنينّا” تراجيديا وفنٌّ خالص. ولا يستطيع إنسان ذو ضمير إلاّ أن يبكي، وهو يتخيّل القطار الروسي يهرس جسد تلك السيدة التي كانت تعيش الرغبات الماجنة والتبتل المسيحي في آن. ويرد “القطار” كثيراً في الروايات الأجنبية ذات الطابع الإنساني التي عاش أصحابها ضمن أنظمة شمولية، أو تحت سطوة أنظمة “نظام السوق” الذي تكثر فيه الانتحارات. أما في الأدب العربي الحديث، شعراً ونثراً، فإن القطار أملٌ بالسفر والحرية. وفي العراق نسمي القطار “ريلاً”، بعد أن تمّ نحت الاسم من اللغة الإنكليزية، وقصيدة صديقنا مظفر النواب: “للريل وحمد” أكبر من أن تُعرّف.
ويعرف كثيرون في العراق والبلدان العربية، أن الفن الذي تقوم عليه الأفلام المبنية على روايات تولستوي هي الجمال بعينه، والأخلاق بعينها، لأنها قامت على أسس مكينة، وتبنّى قيامها فنانون وفنيّون يعرفون قيمة الفن في بناء الإنسان، وهذا ما لا نجده في عراقنا الحالي، حيث يكثر الزعيق والصراخ والعراك في أزقة محلة البتاويّين التاريخية ببغداد، وهذا هو “القطار العراقي” الأخطرعلى ثقافتنا العراقية!
حديثي اليوم في شأن الثقافة والفن فقط!