جمعة اللامي /
وعن مذهبي في الحبّ، مالي مذهبٌ…. وإن مِلتُ يوماً عنه، فارقتُ ملّتي
(ابن الفارض)
من غيرُه من الغابرين واللاحقين، يَتَشَحّط في دمه؟! . قال لي: “أنا أقصد في هذا التسآل، صاحب القلب الكبير، واليد الطولى، والبيان الفاخر، واللسان النظيف، والعقل الحرّ، والطوّية السويّة، محمد بن عبدالله، عليه وعلى آله أفضل الصلوات والسلام. وَذِكْرُ المصطفى لا يحتاج إلى مناسبة. لكنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم يدخل قلوب أحبائه، عندما لا يجد هؤلاء، بعد الله، خيراً منه، أقرب إليهم من الكلمة إلى اللسان.
قبل أيام، سمعت – في عمق الصحراء- صوتاً يكاد يتفطّر شوقاً، ينادي: “يا ربّ ، يا ربّ”. اتجهت راجلاً إلى مصدر الصوت، في عمق ليل مضاء بنور القلوب، فرأيت رجلاً يتجه بجسده نحو القبلة. ما إن أحسّ الرجل بوجودي حتى قال: “أنا الذي يتشحّط في دمه، فمن يشتري مني دمي؟” ثم التفت إليّ وقال: “هذه أمانة من عبد فقير في رقبتك. أنقل عن لساني، إني – والله – لا أبتغي جاهاً أو مالاً أو شهرة، ولا أريد أولاداً وسرائرَ، كل ما أريده وأسعى إليه هو رضوان الله تعالى”.
ثم أنه رفع ذراعيه نحو السماء، وقال: “إنَّ العقل على العقل… يقع”! . وقال: “امضِ في طريقك، يا عبدالله، فالله ربنا جميعاً، وهو المطَّلع على الأفئدة والأسرار، ولا تلتفت إلى كلمات المرجفين”.
ثم عاطَ متوجّعاً: “وَيْحَ قلبي”.
استويتُ جالساً على الرمل، أُديمُ نظراً في رجل عجوز، عقاله حول رقبته، وغترتهُ مشدودة على وسطه، وفي يده اليمنى عصا من خيزران . قال: “نُريد أن نلتحق بنبيّنا. إنه عليه الصلاة والسلام، هو الذي كان يتشحّط في دمه، إذا ما اشتدت أزمة، ليجعلها أكثر انفراجاً بحول الله”.
قلت: بارك الله في عمرك يا شيخ.
قال: “يا ربّ.. علّمني أن أحب الناس كما أحب نفسي. وعلّمني أن أحاسب نفسي كما أحاسب الناس”.
وجلست ـ بينما تُنصت الصحراء إليه أيضاً- أواصل الاستماع إلى عاشق عجوز.. يتشحّط في دمه.