سعاد الجزائري /
ما الذي يغير مصير الشعوب ويقودها نحو الهاوية؟
ما الذي يجعل هذا البلد قبلة الانظار او بؤرة الارهاب؟
ما الذي يرفع شأن هذه الدولة أو يحط من قدرها؟
ما الذي يجعل الانسان يفتخر بوطنه ويرفع علمه ويتباهى بجواز سفره الذي يدل على منبعه الأم؟
العلاقة بين الحكومة وشعبها ومساندة كل منهما للآخر أكبر دليل على تقدم ونجاح تلك الدولة في مهامها ومسؤولياتها، وبنفس الوقت تفاني المواطن في الاخلاص بأداء واجبه دليل على وفائه لدولته وحكومتها.
نجاح هذه العلاقة مرهون بالطرفين وبالوعي المجتمعي الذي لا يرتقي عاليا أو ينحدر نحو الهاوية الا بتأثير أجهزة الدولة وحرصها على تنفيذ دورها المناط بها، وفي نفس الوقت إن ارتقاء الوعي الجمعي يساعد في التزام المواطن بتنفيذ قوانين الدولة، التي من المفترض أن يكون منجزها متماشيا مع مصلحة المواطن واحتياجاته وليس خاضعا لمصلحة شخصية.
عشت في اوروبا وفي بلدان مختلفة، فوجدت أن الفرد بهذه الدول أشبه بحكومة مصغرة داخل رحم الحكومة الكبرى، فالفرد الذي تعلّم الالتزام من عائلته أولا ومن المدرسة ثانيا، ومن الكل؛ المجتمع والحكومة أخيرا، لا يحتاج الى رقابة السوط لينفذ التزاماته، ولا يحتاج الى رقيب ليرشده او يجلده بالسوط إن خالف او أخلّ بالقانون، كما أن حكومات هذه البلدان والمسؤولين فيها يضعون مصلحة الكل فوق المصلحة الشخصية، وأن ضميرهم المهني يقودهم نحو العام بعيداً عن الشخصي والمصلحي، والانتخابات بهذه البلدان لا تسبقها خطط مخادعة، أو شعارات رنانة لأن من طرح شعارا أكبر من قدرته على التنفيذ، يصبح برمشة عين خارج الخريطة السياسية والمسؤولية الوظيفية، ولن تتهاون الحكومات او الشعب إزاء حالة خداع او كذب او فساد، بل يتم فضحه علنا بكل وسائل الاعلام، ومن يتستر على الفاسد سيلاقي نفس المصير.
ولكي ترتقي الدولة ويُشار لها بالبنان، على المواطنين أن يرتقوا بأداء مهامهم وإن كل ما حولهم؛ بدءا بحدود الوطن الى سياج البيت، لا يخص الدولة فقط بل يخص كل فرد أيضا، والتقصير الشعبي لا يقل ضررا وانتهاكا عن التقصير الحكومي، مثلا، لماذا يهبط مستوى التعليم؟ ولمَ يتحول بعض المعلمين من النموذج القدوة الى مرتشٍ وفاسد؟، او لماذا يراوغ الموظف في الدوائر العامة؟ ولماذا تنظف الأم بيتها وترمي النفايات وسط الشارع العام؟، ولماذا يجب أن تدفع الرشاوى عند دخولك المستشفى؟، ولماذا، ولأي سبب، والى متى، وما الذي ينقصنا نحن أبناء أول حرف وأول قانون؟…
هل سنصل يوما الى هذا التوافق بين المواطن وحكومته، بحيث يكمل أحدهما الآخر، وهل سنعود لنقول اسم العراق بعيدا عن أثر الحروب والصراع الطائفي والارهاب والفساد، هل هذا حلمنا المستحيل؟
وأعود الى أسئلتي الاولى؛ من غيّر مصيرنا وأسقطنا بعمق الهاوية، ومن وسمنا ببؤرة الفساد، ومن جعل العراقي يركن في الزوايا المهملة في المطارات؟
ربما الجواب الاثنان معا؛ الحكومة بسلطاتها والشعب الذي اختارها وانتخبها لعدم توفر الوعي المجتمعي الذي يرشده الى اختيار الصحيح او تسمية الذي سيقوده نحو العلى وليس الى هاوية الدمار.