ياسين النصير/
لم يحدث أن شهد العراق على مدى تاريخه حشدا من القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ولم تكن المعالجة الإعلامية بمستواها. ففي بلدان أقل أحداثا مما نعيشه، نجد اعلامها أكثر حضورًا في الأعلام الداخلي وفي اعلام العالم. إنَّ قضية طفل واحد يغرق على الشاطئ التركي، أحدثت مفصلًا ثقافيًا وسياسيًا في الاعلام الغربي، ما جعل قضية جزئية، قضية رأي عالمي، بينما نحن استمرأنا ما يحدث يوميا، وبشكل لم يسبق أن حدث في التاريخ، دون أن يكون الإعلام مستوعبًا لأبعاد وظلال الحدث، بما يجعله قضية رأي عام عالمي. والشواهد لا تعد ولاتحصى، فجرائم داعش ومن سايرها من العنف، تمر إلا من ندوة، او استضافة، أو تعليق، في فضائياتنا وإعلام صحفنا. حتى بتنا لا نرى إلا ندوة وراء ندوة، وتحليل يشبه تحليلا.
لاشك في أن ذلك مؤشر على ضعف الإعلام، بالرغم من حضور استاذة ومفكرين في الفضائيات والصحافة، لأنه يفتقر إلى منهجية قادرة على تقليب الحدث من وجهات متعددة.
لم نسمع يوما بوجود جهاز مركزي استراتيجي للإعلام ، قد تكون ثمة مؤسسة ما ملحقة بهذا الجهاز أو ذاك، لكن جهازا مركزيا ينفذ استراتيجية إعلامية واضحة متروكا لاشخاص يجتهدون، ويقررون الكيفية التي يكون عليها إعلامنا. فلم نسمع أو نقرأ أن هذه الجهة المركزية قد دعت الصحف والفضائيات واعلام الجهات الحزبية إلى اجتماع تتدارس فيها مركزية الاعلام العراقي ضمن استراتيجية التخصص والتنوع. فالموازنة بين ما يحدث من قضايا وما يجب أن تعالج إعلاميًا، مفقودة، إذ لم توضع لها اية منهجية تمكن الاعلام من النهوض بمهماته. والأمر واضح، فإذا نحج الإعلام في فنيّة صغيرة، كررتها كل الفضائيات والصحف، فالندوات أصبحت مملّة وثقيلة في الفضائيات ومداها الإعلامي محدود، لأن مادتها الفكرية آراء شخصية، سرعان ما تكون فاقدة الصلاحية بعد خروج الضيف. وإذا اعتمد إعلامنا المقالات الصحفية، وجدنا الصحف تعج بمقالات ذاتية التحليل، واستطيع القول الّا أحدا يقف طويلًا عند ما يُكتب من آراء وأفكار. ولم نسمع يومًا أن الجهاز الإعلامي المركزي، قد دعا منظمات المجتمع المدني من اتحادات مهنية ونقابية وتكنوقراط، للتداول في تنشيط الجهد الثقافي والإعلامي لتنوع مصادره وتضافر عناصره.
لاشك في أن المرحلة مشحونة بمصادر تنويع الخطاب الإعلامي، ولكن عجز الأجهزة، وقصر أداة القائمين عليها؛ تجعلهم يغلقون الباب أمام أيَّة مساهمة أخرى، وهذا ما يدعونا لتأكيد أنَّ اعلامنا لم يخرج بعد عن هيمنة الحزبيات الضيقة، علينا أن نعدد الرؤى المعرفية فيه، وإلّا بقيت القضايا بالرغم من عمقها وسعتها، ضيقة، لا يصل مداها حتى الى المحافظات، فكيف نوصل قضايانا الى العالم.