“لا فضيلة بلا معرفة”
(سقراط)
جمعة اللامي
لفت انتباه غريب المتروك، قول لسيدة، لحمته وسداه كلمة: “لا”. قالت السيدة: يجب أن نشهر “لا” في وجوه جنود الاحتلال، ونرفعها في قبضاتنا أمام رؤساء الأحزاب المتهاونين مع “قوات الاحتلال”، ونصغي إلى معنى “لا” ضد انحرافات أنفسنا.
ضرب المتروك فخذه بكفه، وقال: أصيلة، والله أصيلة. ثم أعطى انتباهاً لرجل آخر، يشي كلامه بأنه شاعر. قال: إذا كان بعضنا لم يستخدم كلمة “لا” مرة في حياته، أو أنه أقصاها من قاموسه، فهذه الأيام مثالية لإفشائها بين الناس.
وقال ثالث، يبدو أنه من رجال التربية والتعليم: لا أحقية لنا في حياة تليق بإنسان ذي عقل، إذا لم نرفض. تذكروا أن كلمة “لا” كانت لافتة كبيرة سار خلفها المصلحون والمفكرون والمعلمون والتلاميذ النجباء.
قلت: يا غريب، صدق أحبابنا “عمال المَسْطَر” هؤلاء، وصدق أرسطو، وصدق هؤلاء السمر والبيض في القارات الخمس، قديماً وراهناً، وصدق أولئك الأبدال الذين جعلوا من كلمة “لا” بداية معرفتهم بالمعرفة، وربطوا الفضيلة بالمعرفة.
هزّ المتروك رأسه، ثم التجأ إلى نفسه، كأنه تذكر تلك الكلمات المنسوبة لأحد الفلاسفة الغربيين، التي تقول: “للإنسان عظمة تقاس بالإمكانات القصوى: بطولة المحارب، وبراعة المشرّع، ومهارة المخترع، ونبوغ الشاعر والكاتب والفنان والنحات والموسيقار.” ثم استدار إليّ وسألني: قل لي يا رفيقي وأخي وصاحبي، ماذا جنيت من هذه السنوات الخمسين وأنت تقول “لا”؟
قلت: يا غريب، من يكن بين يديك، عليه أن يستحي من نفسه، وينظر إليك، أنت المرآة الصافية، أنت الذي وضعت الوطن فوق التنظيم، وأعلى من تحالف الأحزاب، ونظرت إليه أكبر من الطائفة، وأسمى من كرسي السلطة، وأثمن من أيّ رأسمال.
ياغريب، لا أنسى، ولن أنسى، كلمة “لا” التي شهرتها في وجوه نماذج “الحرس الحديدي” الذين اختطفوا تاريخنا، وسرقوا دماء شهدائنا، وحولونا إلى “أوراق لعب” في مزايدات “السلطة الوطنية” في ماضينا القريب والبعيد.. ثم قلت له بعد برهة: وكيف أنسى الوجوه ذاتها، ولكن المستنسخة، التي تبيع الأوطان والشهداء والأحياء للمحتل.
صمت المتروك، بينما كنت أتابع أصوات أحبابنا “عمال المسطر” حين قال أحدهم: قولوا “لا” … تفلحوا!