قوم السروجي!

جمعة اللامي/

هؤلاء يجلسون على المقاهي الأدبية، يتناولون الشاي باللبن ظهراً، بعد فطور على الطريقة الفرنسية. وعند العصر يشربون كأساً من الكركديه، ثم يخلدون إلى قيلولة تقودهم إلى ما قبل ميقات السهرة بقليل.

“عليكم أن تبدأوا بالفقراء يا ديوكي الصغيرة،
ابدأوا بأولئك الذين ليسوا مرتاحين ومستقرين.” (كزانتزاكيس – تقرير إلى غريكو)

السروجي هو أبو زيد، شخصية “مقامات الحريري”، المعروف بحيَلِهِ، الذي جرى تصديره إلى أدبنا الحديث باعتباره مهرّجاً لطيفاً، ومنكوداً لوذعيّاً. وهكذا تلقّفه صحافيو وكتّاب العطلات التقليدية والمفاجئة، مرة بوصفه مادة لتزجية الوقت، وأخرى لإدخال روح الفكاهة على المنتدين في مناسبات شبه حزينة. وفي الحالتين، عثر كتّاب السهولة على حيثيات للكتابة، وعلى فرصة لإحالة تلك الحيثيات إلى نوع من الأدب الصحافي.
هؤلاء يجلسون على المقاهي الأدبية، يتناولون الشاي باللبن ظهراً، بعد فطور على الطريقة الفرنسية. وعند العصر يشربون كأساً من الكركديه، ثم يخلدون إلى قيلولة تقودهم إلى ما قبل ميقات السهرة بقليل. أما في وقت السهرة، فإن الحديث يتجه الى تقشير بعض السيدات من ثيابهن، أو كتابة خبر في المقهى (جرت العادة أن ينسب إلى مصدر عليم)، أو ـ في أحسن الأحوال- يتناولون عصير الفول!
كتاب مرهفون ومرفهون، عرفوا من أين تؤكل الذراع، والطريق إلى بئر الملح، والدرب إلى الحقيقة. هم يكتبون للتسلية. نعم، هكذا يقولون بافتخار: لا تتعبوا أنفسكم، لا يوجد قراء عرب، فلماذا تعيدون الحياة إلى الجاحظ، وأبي حيان؟ ولماذا تخاطبون قراءكم: ارفع رأسك يا أخي؟ ولماذا تنعون “الشرق الأوسط الجديد” في الشرق الأوسط القديم؟ ولماذا لا تتحدثون عن ثقافة البندورة والكوسا واللفت، لأنكم تحرثون في البحر؟ أكثر من هذا كله، يقول كتّاب العطل التقليدية والمفاجئة: ماذا جنيتم من متابعتكم لحرب غزة؟ وأية فائدة حصل عليها المواطن العربي المسكين من بحثكم المتواصل عن فظائع سجن أبي غريب؟
وماذا؟ نعم، وماذا بعد، أيها السادة؟
جوقة في جوقات، من ذاك المكان إلى ذلك المكان. الواحد يتفل في فم الثاني. والثانية تتعلم الردح من الأولى. كتّاب العطلات التقليدية والمفاجئة هؤلاء يجمعهم خيط سحري واحد، ويرقصهم معلّم واحد، ويعزف أمامهم ساحر واحد بنايه المعروف.
زمان، حين كنا صغاراً، وفتية مفتونين بأحمد بهاء الدين، ويوليوس فوجيك، وهنري إليغ، كان هؤلاء يكتبون لحساب “النقطة الرابعة” و”مشروع إيزنهاور”.
بعد ذلك تطوروا، وأخذوا يكتبون من أجل الليبرالية.
بعد ذلك أيضاً تطوروا أكثر. أخذوا يكتبون من أجل أميركا.
بعد ذلك تطوروا أكثر فأكثر. أخذوا يكتبون من أجل جيوبهم فقط.
وهكذا جاء الطوفان..