حسن العاني /
أعتقد أن أشقاءنا المصريين يستحقون مزيداً من الاحترام لأنهم عرفوا كيف يحترمون رموزهم ونجومهم، ويقدمونهم الى العالم بأبهى صورة. دعونا نلاحظ أننا في العراق نعرف سعد زغلول مثلاً، وأحمد عرابي، أكثر مما نعرف قادة ثورة العشرين. كما أن لدينا معلومات وافية عن العقاد أكثر مما لدينا عن مصطفى جواد، وعن أحمد شوقي وعماد حمدي ومنيرة المهدية، أكثر من الجواهري وخليل شوقي وسليمة مراد.. وقائمة المقارنة ليست لها حدود..
القضية -في قناعتي- لا تتوقف على طبيعة المبدعين، ولا علاقة لها بمن هو مهم ومن هو أهم، لأن العملية الإبداعية تقوم على عنصرين: الأول ذاتي.. أي وجود موهبة إبداعية حقيقية. والثاني خارجي.. ويتمثل بقوة الماكنة الإعلامية والدعائية بنوعيها الرسمي والشعبي. وإذا كان من الصحيح أن العنصر (الذاتي) هو الأساس، لكن من الصحيح كذلك أن وسائل الإعلام والدعاية تمتلك تأثيراً فاعلاً في إنهاض العملية الإبداعية والوصول بها الى القمة. وقد تبلغ قوة هذا التأثير الحد الذي يؤهله لصناعة مبدع من لاشيء، أي ممن يفتقر الى الموهبة. غير أن مثل هذه الصناعة غير قادرة، مهما أوتيت من القوة، أن تستمر، والزمن كفيل بإهمال هذا النوع الصناعي من المبدعين. ولعل غالبيتنا يتذكرون كيف كان تلفزيون الشباب يقدم في كل سنة قرابة (250) مطرباً شاباً، سرعان ما فضحهم الزمن واكتشفهم الناس وخذلتهم الموهبة!
مدعاة الحزن هنا تكمن في المقارنة بين الماكنة المصرية والماكنة العراقية, فكلتاهما أنجبت أعظم المبدعين, بمعنى إنجاب أعظم المواهب الحقيقية, ولكن مَنْ مِن المصريين -على سبيل المثال- “يعرف” حسين نعمة، أو وحيدة خليل، أو مقداد عبد الرضا، أو عبد الجبار عبدالله، أو طه باقر، أو هادي أحمد.. إلا قلة قليلة جداً. ومن منهم سمع بسوق الشيوخ، وآلوس والمهناوية، إلا قلة أقل من القليلة. وفي الاطار نفسه نسأل مَنْ مِنَ العراقيين “لايعرف” سيد درويش أو نجاة الصغيرة أو حسن يوسف.. الخ ومن منهم لم يسمع بخان الخليلي والإسكندرية وبورسعيد؟!
وسائل الدعاية والإعلام المصرية تختار أبهى الألقاب وأعلاها منزلة لتطلقها على رموزها ومبدعيها: عميد الأدب العربي، كوكب الشرق، أمير الشعراء، العندليب الأسمر، موسيقار الأجيال، سيدة الشاشة، سندريلا السينما، شاعر النيل.. الخ. فماذا منحت وسائل إعلامنا الرسمية والشعبية من ألقاب لشيوخ القصيدة العربية الحديثة، السياب والملائكة والبياتي، وماذا نعرف عن جواد سليم غير نصب الحرية، وماذا قدمنا من تعريفات او احتفاءات، ولو متواضعة، لناسنا في الداخل قبل الخارج حول قاماتنا العملاقة ؟! شيء واحد كنا نحسنه باحتراف على المستوى الإعلامي، هو تحريض مبدعينا على انتقاص بعضهم بعضاً، وتبادل الشتائم، أما على المستوى الرسمي فإهمال الإبداع ونسيان المبدعين…