رئيس التحرير/
تتميز مدينة عدن وهي كانت عاصمة جمهورية اليمن الديمقراطي قبل أن تتوحد اليمنان، بظاهرة وجود أعداد هائلة من طيور الغربان. ومن كثرتها المفرطة كنا نراها في كل مكان، فوق الأشجار وتحت الأشجار، في الشوارع والحدائق والبيوت والساحات. وكان من الطبيعي أن ترى غرابا يقف على ظهر معزة أو على رأس خروف أو يمشي بالقرب من كلب أو يتزاحم مع قطة على فتات الطعام. هكذا من دون أي خوف أو خجل!
لم نكن نملك أية معلومات عن طبيعة هذا الطير الأسود سوى كونه يجلب الشؤم، خاصة عندما ينعق ساعات الغروب، ولهذا كانت أمهاتنا ترد عليه بالقول “نعقت في بيت أهلك” وكان الشخص الشرير والغامض يوصف بـ (غراب البين).
كانت في باحة منزل أحد الأصدقاء العراقيين في عدن شجرة كبيرة تقف فوق أغصانها مئات من هذه الغربان. وكان يتضايق من وجودها ويتشاءم من نعيقها الدائم، فكان يشن حملات لطردها من دون جدوى. وفي مرة من المرات تورط هذا الصديق فقتل أحد هذه الطيور فقامت قيامتها. فقد حاصرت مئات من الغربان بيته وبدأت بمهاجمته من كل الجهات والمنافذ. ولم نستطع تخليص هذا الصديق إلا بعد أستدعاء الشرطة التي فكت الحصار عن بيته ونقلته الى مكان آخر في غفلة من تلك الطيور الغاضبة. الملفت في الأمر أن هذه الطيور لم تهاجمنا نحن عندما جئنا لنجدة الصديق المحاصر، بل كانت تريده هو فقط وبالذات.
تذكرت هذه الحادثة الغريبة عندما قرأت مؤخرا أن دراسات علمية عن سلوك عالم الحيوان أثبتت أن الغراب هو أذكى الطيور وأمكرها على الإطلاق. ومن بين المعلومات التي أثبتتها الدراسات ما يسمى بـ (محاكم الغربان) وفيها تحاكم هذه الطيور أي فرد منها يخرج على نظامها مثل قيامه بسرقة طعام الأفراخ الصغار أو قيامه باغتصاب العش أو هدمه أو أرتكابه جريمة الاعتداء على أنثى غراب آخر. ولكل واحدة من هذه الجرائم عقوبة محددة أكثرها قسوة هي قتل المعتدي ضربا بمناقيرها حتى الموت.
ولدينا اليوم الكثير من (غربان البين) السياسيين، الذين ينعقون من على شاشات التلفزيون مبشرين بالتقسيم تارة ومهددين بأعمال العنف والنزاعات الطائفية تارة أخرى. ولا نملك مع أمثال هؤلاء سوى ترديد عبارة أمهاتنا: نعقتم في بيوت أهاليكم.