رئيس التحرير/
لا أتذكر أين قرأت هذه الطرفة: خيّر الأب إبنته بين ثلاثة رجال متقدمين للزواج منها، الأول غنيّ والثاني جميل والثالث فقير، فقالت الابنة: الأول سيتزوج عليّ بعد شهر، والثاني سيعشق غيري، أما الثالث فهو الذي سأقضي حياتي معه. فقال لها والدها: «كلامك صحيح ومنطقيّ يابنتي.. بس الله يطيح حظك وحظ المسلسلات التركية».
ويقال أن الإنسان يبدأ حياته رومانسياً حالماً، كما هو حال الشابة التي اختارت الفقير زوجاً، ثم مع تقدّم العمر تبدأ الرومانسية بالتراجع أمام الواقعية والمنطقية، وفي الشيخوخة يجد الإنسان نفسه وقد أصبح يمينياً وحتى رجعياً، إلا ماندر.
ولو عاد أيّ منا، نحن الذين تجاوزنا الستين من العمر، إلى مراحل حياته سيجد أن الأمور جرتْ على هذا المنوال. في سنوات الشباب كنّا شعلة من النار والثورية، كان يومنا ينقضي بين مواعيد ولقاءات واجتماعات حزبية وحضور المهرجانات والأماسي الثقافية، وبين ساعات للقراءة والمناقشات الساخنة. ولم نكن نجد الوقت للترهات من قبيل البحث عن الموضة وقصات الشعر الجديدة والتيشيرتات الملوّنة. وكان يقال حينها أنك عندما تخرج إلى الشارع، في أيام الصيف الحارة، لا تجد غير الكلاب السائبة والحزبيين. وبالفعل كان الحزبيون يختارون أوقات الظهيرة للقاءاتهم لأنها تكون خالية من رجال السلطة.
ومع تقدم العمر صارت الاجتماعات الحزبية وغير الحزبية عبئاً ثقيلاً، نذهب إليها ونحن نقدم خطوة للأمام وخطوتين إلى الوراء، بحسب كتاب لينين الشهير!
وبدلاً من الذهاب إلى المهرجانات والنشاطات الثقافية صرنا نكتفي بجلسات سمر بيتية، أما من الناحية الفكرية فقد غادرنا تلك الجمل الثورية عن الإقدام والشجاعة والتحدي، واستبدلنا العبارة الشهيرة التي تقول “فاز باللذات من كان جسوراً” بأمثلة شعبية من قبيل “كلب حيّ أفضل من أسد ميت” أو «في السرعة الندامة وفي التأني السلامة». وفي حين كنا نركض بهمّة غزال وراء الجميلات، صرنا نجرجر أقدامنا وراء الكوسترات، ونحن نحمل أكياس الخيار والطماطة والبيتنجان، كي لا نتأخر عن العائلة فتزعل أم الأولاد.
وبالعودة إلى الأب وابنته التي قررت اختيار الفقير زوجاً، أقول هي على حقّ لأنها لاتزال في عمر الشباب، أما الأب فهو الآخر على حقّ أيضاً، لأن المسلسلات التركية لم تعد تنطلي عليه!