رئيس التحرير/
حين قطعنا الربع الخالي
هبطت بنا الطائرة في مطار عتق وهو عبارة عن مدرج ترابي مرصوف بين سلسلة جبلية حمراء. كنت العراقي الوحيد بين حشد الركاب اليمنيين القادمين من عدن (عاصمة جمهورية اليمن الديمقراطي) وكانت مهمتي في عتق، وهي مركز محافظة شبوة، إجراء سلسلة تحقيقات صحفية لجريدة 14 أكتوبر اليمنية التي كنت أعمل فيها.
كانت عتق مدينة فقيرة وبائسة، جل شوارعها ترابية ومنازلها مبنية من الطين والآجر وليس فيها سوى القليل من المؤسسات الحكومية.
قضيت يومين في عتق وكان علي أن أواصل الرحلة إلى بيحان على الحدود مع السعودية. ولكي نصل بيحان كان علينا أن نقطع جزءا من منطقة الربع الخالي، وكانت هذه الفكرة بالنسبة لي نوعاً من مغامرة سحرية، فقد كان الربع الخالي يرتبط بأذهاننا بقصص الضياع والغرق في الرمال المتحركة.
انطلقنا في الصباح الباكر في قافلة من ثلاث سيارات رباعية الدفع، وقضينا أربع ساعات لم نقطع خلالها سوى مسافة قصيرة، لأن السيارات كانت تغطس في الرمال بين مسافة وأخرى فنضطر إلى التوقف لتخليصها.
ليس هناك في تلك الصحراء الشاسعة أية علامة يمكن الاستدلال من خلالها على الطريق، فلا شوارع ولا أشجار ولا آثار وحتى التلال الرملية التي نراها أمامنا أحيانا يمكن أن لا تبقى في مكانها بعد وصولنا إليها، إذ سرعان ما تنتقل إلى مكان آخر بسبب حركة الرياح.
عندما بلغنا بيحان في المساء ضيّفنا أحد مسؤولي المدينة في منزله وقص علينا بعض أسرار الربع الخالي، ومنها أن فريقا من العلماء قام برحلة استكشافية في الصحراء فعثر، من بين ما عثر، على سكان يتحدثون لغة غير عربية وغير مكتوبة ويستخدمون ألفاظاً لا تمت للغة العربية بصلة.
وأورد هؤلاء العلماء بعض الأمثلة من هذه اللغة على النحو الآتي:
(شخبور غيج غيجين امور منهو هيت)
وهذا سؤال موجه لرجل مفاده: من أين أنت؟
فيرد الرجل: (رايش هيج غوايجن عمر منوهات)
(ويقصد من مدينة سقطرى)
ويضيف الرجل نفسه قائلا: (ذو وكه تشخبري أغيج)
ويقصد لماذا تسألني يارجل؟
سألت مضيفنا وانا في حيرة كيف ترجم فريق العلماء هذه اللغة العجيبة؟
فأجاب ضاحكا: (ذو وكه تشخبري أغيج) ويقصد طبعا “لماذا تسألني يا رجل!”.